معطف خريف وشتاء 2012 .. كلاسيكي بأناقة الخمسينات يتحدى المضمون

تشتكين هذه الأيام من انخفاض درجات الحرارة، ولا تتوقفين عن التذمر من قصر النهار وحلول الظلام مبكرا.. وغيرها من الشكاوى التي تصب في المصب نفسه. وفي خضم كل هذه الشكاوى تنسين أننا دخلنا شهر ديسمبر (كانون الأول) وعلى أبواب شهر يناير (كانون الثاني)، أي إننا رسميا في فصل الشتاء، وبالتالي ما علينا إلا تقبل الأمر والتعامل معه بكثير من الأناقة وشيء من الحكمة.
فمن دون تغير المواسم، تصبح الحياة مملة وروتينية إلى حد ما، أو هذا على الأقل ما تردده بعض الحكيمات من عاشقات الموضة، خصوصا اللاتي ينظرن دائما إلى الفنجان على أنه «نصف مليان».
فهؤلاء يرين في فصل الشتاء فرصة لمعانقة المعاطف الدافئة وكنزات الكشمير وفساتين التويد والأحذية العالية الساق وغيرها من الأزياء والإكسسوارات التي لا يمكنهن ارتداؤها في فصلي الربيع أو الصيف. 
والحق يقال إن المصممين يبدعون في أزياء الخريف والشتاء أكثر مما يبدعون في أزياء الربيع والصيف، لا سيما بعد أن تجاوزوا المحاذير والممنوعات، ولم تعد هناك للصيف ألوانه التي لا يمكن أن يتطاول عليها الشتاء كما لم تعد لهذا الأخير أقمشته الخاصة بعد أن تطورت التقنيات واكتسبت نعومة الحرير، بما في ذلك الجلود السميكة. 
ورغم أن الحدود بين الفصول تداخلت، سواء من حيث التصاميم أو الألوان أو الخامات، فإن القطعة الوحيدة التي بقيت لصيقة بالشتاء هي المعطف.
فمنذ بداية ديسمبر إلى نهاية فبراير (شباط)، يصبح قطعة أساسية لا تستغني عنها أية امرأة في الغرب خصوصا، مما يجعل اختياره مهما ليس على أنه مضاد للبرد فحسب؛ بل أيضا على أنه سلاح أناقة وترفيه على النفس والروح في أشهر لا تشرق فيها الشمس كثيرا وتكتسي السماء لونا رماديا حزينا.
ما من شك أن هناك من النساء من يرين في المعطف مجرد قطعة عملية يتوخين منها الدفء بغض النظر عن شكلها ولونها وخامتها. وهذا تفكير معقول إلى حد ما، إذا كنت تعيشين في منطقة الشرق الأوسط، لأنك قد لا تحتاجينه سوى لأسابيع معدودة، لكن في أي منطقة أخرى يطول فيها الشتاء إلى أكثر من شهرين أو ثلاثة، فإنك لا بد أن تحتاجي إلى أي شيء من شأنه أن يدخل بعض السعادة على نفسك ويحسن مزاجك، وليس هناك أحسن من الأزياء والإكسسوارات قياما بهذه المهمة، فتغييرها يجدد الروح بالنسبة للغالبية، لهذا، فإن منطق العملية والعقلانية يجب أن لا يطبق هنا بقدر ما يجب تطبيق منطق العملية والأناقة وزخات من الألوان ولمسة من الرفاهية، خصوصا أن الترفيه عن النفس لا ثمن له.
المشكلة في المعطف الصوفي أنه قد يصيب بالملل بعد فترة ويتحول إلى مجرد قطعة رسمية لا بد منها، لهذا لا بأس أن يكون بحوزتك تصميمان أو أكثر، وبألوان مختلفة إن أمكن. وتذكري أنك في كل الحالات لن تخسري، لأن كل قطعة تشترينها ستبقى معك لسنوات، على شرط أن تكون من نوعية جيدة.
المصمم راف سيمونز، في تشكيلته الأخيرة لدار «جيل ساندرز» وقبل أن ينتقل إلى «ديور» قدم مجموعة من التصاميم الواسعة بألوان الحلوى والبوظة يمكن أن تدخل خزانتك بسهولة وتبقى فيها إلى الأبد، وفي كل مرة ستثير الإعجاب والرغبة في الحصول على مثيل لها.
لا يختلف خبيران في الموضة على أن التصميم هو الكل في الكل عندما يتعلق الأمر باختيار هذه القطعة، ولحسن الحظ أن الخيارات كثيرة، وإن كان أجملها هذا الموسم الشكل الواسع الذي يأخذ شكل «كوكون» كما رأيناه في عرض راف سيمونز وغيره. 
فرغم أن هناك تصاميم أخرى، مثل المفصل على الجسم أو المشدود بحزام أو المستوحى من البدلات العسكرية، فإنه يبقى الأكثر تميزا، لا سيما أنه طرح بأشكال متنوعة بحسب أسلوب كل مصمم.
ففي عرضي ستيلا ماكارتني و«كلوي»، مثلا أخذ اتجاها «سبور»، وفي عرض «سيلين»، فيليب ليم وتشالايان، استوحي من التصميم الرجالي وإن لعبت الألوان المتوهجة دورا مهمة في التخفيف من صرامته. 
وطبعا لا يمكن أن ننسى المصممة راي كواكوبو، مؤسسة دار «كوم دي غارسون» التي تطرحه منذ سنوات بأحجام ضخمة يمكن أن تظهر فيها المرأة بشكل ثلاثي الأبعاد.
المصمم التركي حسين تشالايان الذي يميل بدوره إلى الأشكال الهندسية والمعاطف السخية المقاييس برر ميله هذا بقوله: «أعتقد أن معطفا واسعا ويتسم بلمسات ذكورية هو خيار أنيق للمرأة ويمكن أن يدخل في عداد التصاميم الكلاسيكية التي لا تتغير مع تغير المواسم» .
وأضاف: «أحب المرأة التي تتبنى مظهرا صبيانيا في النهار وأنثويا في المساء، فهي هنا لا تفهم الموضة فحسب؛ بل تتمتع بأسلوبها الخاص».
ومع ذلك، تبقى المعاطف التي طرحها راف سيمونز لدار «جيل ساندرز» الأجمل، فقد استوحى خطوطها من الخمسينات، وقيل حينها إنه تعمد ذلك لأنه كان يريد وظيفة مصمم دار «ديور» بكل جوارحه، وبالتالي كان هدفه من هذه التصاميم أن يبلغ رسالة إلى برنار أرنو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إل في آم آش» المالكة لدار «ديور»، بأنه في مستوى التحدي وأنه يمكن أن يفهم روح الدار التي شهدت عزها في الخمسينات على يد مؤسسها كريستيان ديور.
وصلت الرسالة، ونجح في دخول الدار الفرنسية العريقة، لعدة أسباب لا بد أن تكون مجموعة المعاطف هاته واحدة منها. 
فقد تكلمت لغة الأناقة الخمسينية بوضوح أنيق استحضر أناقة أيام زمان.
فقد كانت مفعمة بالأنوثة بأكمامها الواسعة وأكتافها المنخفضة وألوانها الشهية.
في بعض الأحيان توحي كما لو أنها قطعة كيمونو من الكشمير والصوف الخفيف وحينا آخر وكأنها مستوحاة من تصاميم بول بواريه، المصمم الذي شهد عزه في العشرينات من القرن الماضي، وكان له تأثير واضح على سلفه جون غاليانو.
لكن ما ميز تشكيلة راف سيمونز لدار «جيل ساندرز» الأخيرة، بعدها عن الدراما والمبالغات وأي تفاصيل يمكن أن تسرق الضوء من قدراته على التفصيل.
ظهرت هذه التصاميم الواسعة في بداية القرن الماضي، واكتسبت كثيرا من الشعبية على يد المصمم المستشرق بول بواريه، الذي كان أسلوبه عدم التفصيل. فقد كان يصمم كل قطعة باستعمال طيات وثنيات من دون رسم على الورق أو حياكتها إلا في النهاية.
ورغم أنها لم تختف تماما في العقود التالية، فإنها تراجعت لصالح التصاميم المفصلة التي تحدد الخصر.
وفي الثمانينات استعادت قوتها على يد مصممين من أمثال كلود مونتانا وثيري موغلر، اللذين أدركا أن المرأة تريد أزياء توحي بالقوة مع دخولها عالم الرجل ومنافستها له في مجالات الأعمال وغيرها، مما يفسر أكتافه العريضة.
لهذا أخذ اتساعه في هذه الحقبة منحى رجاليا كان المراد منه فرض الذات وأن يوحي بالثقة لدى الآخر، متناسيا أحيانا أن الثقة يجب أن تنبع من الداخل، ومن المرأة نفسها،  وهذا ما فهمه المصممون الحاليون.
همسات
- تعمل هذه التصاميم على المستويين النفسي والفني. بتغليفها الجسم بالكامل تقريبا، تمنح إحساسا بالطمأنينة والدفء، بينما على المستوى الفني، فإن الشكل درامي ولافت يعمل مضادا ليس للبرد فحسب؛ بل أيضا للموضة التي انتشرت مؤخرا بين الفتيات بسبب تأثير كايت ميدلتون، دوقة كامبريدج، فهذه الأخيرة تظهر منذ مدة في معاطف إما مستقيمة ومحددة على الجسم بحزام، أو تتسع عن الخصر من دون أن تتخلى عن الحزام.
قد تكون أنيقة لكنها مضمونة وتفتقد إلى الشقاوة والخصوصية.
- من الطبيعي أن التصميم الواسع يحتاج إلى دراية في التنسيق والاستعمال، ورغم أنه لا يناسب صغيرات الحجم والمائلات إلى السمنة، فإنه إذا كان على مقاييس الجسم تماما وبطول معقول يجلس عند الركبة، فهن أيضا يمكنهن الاستمتاع بدفئه ودراميته. السر هنا يكمن في النسبة والتناسب، أي خلق نوع من التوازن، ولا بأس من الاستعانة بحزام لشده بعض الشيء والتخفيف من اتساعه.
- تنسيقه مع بنطلون واسع من شأنه أن يزيد من حجم الجسم، لهذا يفضل تنسيقه مع بنطلون ضيق أو فستان منحوت على الجسم أو تنورة مستقيمة.
- عندما يتعلق الأمر بالمعطف، فكل التصاميم مقبولة ما دامت تحترم شروط الأناقة والجودة، وهذا يعني أنه يمكن الاحتفاظ بكل قطعة بغض النظر عن اختلافاتها.
ثم لا تنسي أنه ليس هناك تصميم واحد كلاسيكي، فكل قطعة مفصلة بشكل جيد وبخامة مترفة يمكن أن تدخل عالم الكلاسيكي. ما يحسب للتصميم الواسع أنه بإمكانك أن تستغني عن القطع الصوفية السميكة والطبقات المتعددة، لأنه قادر على منحك الدفء من دون مساعدة.
- الحفاظ على الألوان بسيطة وغير متضاربة لخلق انطباع بالطول. الألوان التي اقترحها راف سيمونز في عرضه الأخير لـ«جيل ساندرز» قد تكون رائعة على منصات العروض وأرض الواقع إذا تم تنسيقها مع قطع بألوان بسيطة تتناغم معها، كأن يكون الفستان أو البنطلون والكنزة بلون كحلي أو رمادي أو أسود.
- الجميل في هذا التصميم أنه لكل المناسبات، أي إنه يناسب الأيام العادية عند تنسيقه مع بنطلون جينز وحذاء عالي الساق أو مناسبات المساء والسهرة عند تنسيقه مع فستان كوكتيل ناعم مثلا.