«كلوي» تحتفل بعيدها الـ 60 باستعراض ماضيها ومعانقة مستقبلها

 «كلوي أتيتودز» (Chloé Attitudes) هو اسم المعرض الذي كان حديث أسبوع الموضة الباريسي الأخير ولا يزال، بحكم أنه يمتد إلى الـ 18 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في «باليه دو طوكيو».
60 عاما هو عمر الدار الفرنسية التي تأسست على يد امرأة ولدت في الإسكندرية وعاشت في باريس، ومع ذلك لا يبدو أن الزمن نال من جاذبيتها ورومانسيتها البوهيمية، شيئا.
فأزياء من الخمسينات تبدو مناسبة جدا للوقت الحالي، ونقوشات فنية من السبعينات، استوحيت من أعمال الفنانة سونيا ديلوني، تبدو أكثر عصرية مما رأيناه في بعض عروض الأزياء الأخيرة.
في يوم الافتتاح الذي تلاه حفل كوكتيل، فاجأ مصمم دار «شانيل»، كارل لاغرفيلد، الجميع بحضوره لتحية مؤسسة دار «كلوي» غابي أهينيو التسعينية التي جلست على كرسي وهي تراقب الحشود من بعيد وابتسامة واسعة مرسومة على محياها.
فهي تعيش تاريخا غنيا كانت هي أول من أرسى أسسه ليحدد ذوق المرأة والموضة عموما، لا سيما إذا تذكرنا أنها المرأة التي زرعت بذرة ما أصبح يعرف الآن بالأزياء الجاهزة.

المصمم، الذي عمل في الدار في الستينات ثم في السبعينات، قال باقتضاب عندما سئل عن المعرض وعن دوره فيه: «لقد حضرت من أجل غابي.. أنا لست من المهتمين بالماضي، أحدث فستان في هذه المجموعة يعود إلى أكثر من 30 سنة، مما يخلق لدي الإحساس بأن شخصا غيري صممه».


المعرض الذي نظمته وأشرفت عليه البريطانية جوديث كلارك، يتتبع تاريخ «كلوي» من البداية إلى الآن.
فقد قسمته إلى عدة أركان، كل واحد يحكي قصة أو يسلط الضوء على موضة، وبينما كان بعضها يتميز بالخفة والانطلاق، كان البعض الآخر يتميز بالنقوشات الهندسية والفنية.
لكن دائما بحضور لمسات الشقاوة والحيوية التي تطبع تاريخها، والتي ظهرت في التصاميم المنطلقة أو في بعض التفاصيل والأشكال. 
كما تتبع المعرض أعمال أهم المصممين الذين تعاقبوا عليها، وعلى رأسهم أعمال كارل لاغرفيلد، الذي تولى مقاليدها في فترتين زمنيتين متفرقتين، إلى جانب ستيلا ماكارتني، فيبي فيلو وغيرهم، من خلال صور و«اسكيتشات» مثل صورة التقطت لمحررة الأزياء بمجلة «فوج» الإيطالية الراحلة آني بياجي في الثمانينات في معطف باللون الأحمر منقوش.
الملاحظ أن المساحة التي خصصت لأعمال كارل لاغرفيلد كانت كبيرة، وهو أمر له ما يبرره، لأن الدار شهدت في عهده أوجها وانطلاقها إلى العالمية.
إلى جانب الفساتين المنسدلة لتغطي نصف الساق كانت هناك أيضا قمصان حريرية مطبوعة بأشكال مختلفة تشي بأسلوب المصمم في ذلك الوقت.
تجدر الإشارة إلى أن غابي أهينيو، البالغة من العمر حاليا 91 عاما، كانت أول من قدمنا إلى مفهوم الأزياء الجاهزة.
فقبل عام 1952، تاريخ انطلاق الدار، كانت هنا فقط أزياء «هوت كوتير» تخاطب ذوات الإمكانات العالية، ومعامل الخياطة، التي تقلد ما ينشر في المجلات، لذوات الإمكانات المحدودة.
وطبعا، كان الفرق بينهما مثل الفرق بين الأرض والسماء، من حيث جودة الأقمشة والتنفيذ. 
عدم وجود حل وسط، أشعر غابي بأن هناك ثغرة في السوق يجب ملؤها، وهذا ما كان. كانت فكرتها منذ البداية أن تقدم موضة مضادة للـ«هوت كوتير» من خلال تصاميم شابة وناعمة.
بعد ذلك، سلمت المشعل إلى مجموعة من المصممين، أشهرهم كارل لاغرفيلد الذي التحق بها أول مرة في عام 1966، ثم في عام 1974.
وكان له الفضل الكبير في إكسابها بريقا عالميا في فترة السبعينات، حيث أقبلت عليها مثيلات جاكلين كنيدي، غريس كيلي، ماريا كالاس وغيرهن.
وحتى بعد أن غادرها لآخر مرة في عام 1977، كان قد قوى عودها وأرسى أسلوبها بحيث لم تجد المصممات الشابات اللاتي توالين عليها أي صعوبة في قيادتها.
الطريف أن الدار الفرنسية بعد ذلك مالت إلى البريطانيات أكثر، ربما لأنهن أكثر من فهمن روحها الباريسية وبادلنها نفس الحب، بدءا من ستيلا ماكرتني، فيبي فيلو، حنا ماغيبون، وأخيرا وليس آخرا كلير وايت كيلر، المصممة الحالية. 
ما أضافته الأولى للدار هو ذلك الأسلوب الـ «سبور» الذي تمتزج فيه الرومانسية بالتفصيل، بحكم أنها تدربت في «سافيل رو».
أما فيبي فيلو، فزادت من جرعة الرومانسية والشاعرية بالإضافة إلى طرحها حقائب يد ناجحة مثل «بادينتون» التي أصبحت حقيبة العام في 2004.
المصممة حنا ماغيبون، احترمت رموز الدار ودرستها جيدا، وربما تكون هي التي سوقت لنا ألوان البيج والبني القريب من لون الكاراميل.
والآن تقع مسؤولية التطوير والتجديد على عاتق المصممة كلير وايت كيلر. بالنظر إلى تشكيلتها الأخيرة لربيع وصيف 2013، فإنها تريد ترك بصمة مميزة لها في تاريخ الدار، مما جعل هذه التشكيلة بالذات تنظر إلى المستقبل بكل ما فيها من ألوان وتفصيل وتفاصيل عوض أن تنظر إلى الماضي رغم مجده. 
فقد ركزت على التصاميم العصرية والخطوط البسيطة، مع التخفيف من الانسيابية التي طبعت الدار لعقود.
نعم، كان هناك الكثير من الأبيض الذي تتميز به الدار، كما كانت هناك تصاميم منطلقة وشبابية، لا سيما في ما يتعلق بالبليسيهات التي ظهرت في الكثير من القطع، لكن الغالب فيها هذه المرة اعتمادها على التفصيل أكثر من الانسيابية. 
من الجاكيتات المربعة إلى البنطلونات المفصلة والشورتات كانت النغمة مختلفة نوعا ما.
وهذا بلا شك ما كانت تطمح إليه المصممة البريطانية في ثالث تشكيلة لها للدار، لتتميز عمن سبقوها، ونجحت فيه إلى حد كبير، وإن كان أجمل ما قدمته تلك المجموعة التي التقى فيها الماضي الحاضر، من خلال تصاميم أنثوية غطتها بالورود المزروعة على مجموع الصدر، وجاكيتات قصيرة بعضها مفتوح من الظهر كاشفا عن ستارة شفافة من الموسلين بالأبيض بتصاميم شاعرية، لكن بلغة أكثر عصرية. حتى الكشاكش التي زينت بعض الأجزاء مثل الأكتاف بدت مفصلة إلى حد ما. وربما هذا ما جعل ابتسامة غابي أهينيو واسعة، فالماضي غني والمستقبل مشرق.

من هي غابي أهينيون؟

غابي أهينيون من مواليد 1921. انتقلت من الإسكندرية حيث ولدت إلى باريس في عام 1945 - الفترة التي شهدت بداية تنفس الموضة بعد الحرب العالمية الثانية وخروجها من حالة التقشف والقيود التي عاشتها.
كانت المرأة تواقة إلى أن تعانق أنوثتها، وهذا ما أعطاه لها كريستيان ديور من خلال مظهر «ذي نيو لوك» المترف، وغابي أهينيو من خلال فساتين بأقمشة متاحة وتصاميم عملية لكن تضج برومانسية شاعرية ومنطلقة لا تزال تطبعها لحد الآن.
وظلت على رأس الدار إلى عام 1985 حين انتقلت ملكيتها لشركة «دانهيل هولدينغز» التي أصبحت اليوم مجموعة «ريشمون».