كثرة اعياد المرأة في شهر مارس أفرغت جيوب المصريين

اختنق الرجال في مصر - أو كادوا - من وطأة سحابة شهر آذار (مارس) هذا العام، بعدما تحول إلى «مولد ومهرجان». فقبل أن يبدأ الشهر الجاري، الذي بات ينعت إعلامياً بـ «شهر المرأة»، أعلنت الجهات الإعلامية والوزارات المعنية والمصالح التجارية والمجالس المتخصصة حال الاستنفار التي رُفعت هذا العام إلى الدرجة القصوى، في ظل الترويج المركز للتعديلات الدستورية الجديدة التي تقدم باعتبارها «نقلة نوعية للمرأة المصرية». هذا الطقس المتخم بالعبق النسوي جعل البعض يشبهه بالسحابة السوداء التي تخنق المصريين، نساءً ورجالاً، خريف كل عام.


فجأة وجد الرجال المصريون أنفسهم مطوقين بأحاديث عن المرأة، ومنها واليها، تنبعث من كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وحتى الإلكترونية. بدأ «المولد» بالحديث عن يوم المرأة العالمي في الثامن من الشهر الجاري، الذي شهد الكثير من الأفلام التسجيلية عن المرأة في كل دول العالم وإنجازاتها وحقوقها. وما هي إلا أيام حتى حل يوم المرأة المصرية في الـ 16 آذار أيضاً. وهنا تم تطويق الرجال تماماً، فبدلاً من التذكير بين الحين والآخر باليوم العالمي للمرأة، اتخذت «التذكرة» شكلاً أكثر إلحاحاً وتركيزاً، خصوصاً مع تزامن هذه المناسبة والمؤتمر السنوي السابع لـ «المجلس القومي للمرأة» الذي تترأسه السيدة الأولى سوزان مبارك. ولما كان موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية تحدد له أوائل نيسان (أبريل) المقبل، فقد استثمرت الوسائل الإعلامية الرسمية احتفالاتها بيوم المرأة المصرية لتكرس حملاتها المنظمة للترويج الشعبي للتعديلات وللتهليل لقرار تعيين 31 مصرية في منصبي القضاء ورئاسة المحاكم الذي صدر قبل أيام. ووجد الرجال المصريون أنفسهم شبه مهمشين في الأحاديث عن التعديلات والقرارات المواكبة ليوم المرأة. حتى البرامج الحوارية اختارت «المرأة المصرية والتعديلات الدستورية» أو «المرأة المصرية والقضاء» عنواناً لها في هذه الحقبة، ما أدى إلى زيادة الحنق الذكوري المصري تجاه «النصف الحلو».

وما كاد المهرجان النسوي النسائي تخف حدته الدستورية والاحتفالية، حتى اشتدت حدة من نوع آخر تخاطب هذه المرة جيوب الرجال بدلاً من عقولهم وقلوبهم... مع اقتراب «عيد الأم» حيث شحذت المحلات وأصحاب الوكالات التجارية ومراكز التجميل والمطاعم... جهودها، مخصصة موازنات لـ «هدية ماما» التي غالباً ما يمولها «بابا» رغماً عنه، وهو التمويل الذي لا يقابله تمويل مشابه في «عيد الأب» الذي ذهب أدراج الرياح.

لكن وزارة التضامن الاجتماعي أعادت بعض الاهتمام للرجل المصري في هذا الشهر النسائي. إذ أعلنت أخيراً عن تكريم عدد محدود من الرجال للمرة الأولى وحصولهم على لقب «الأب المثالي» جنباً إلى جنب مع العدد الضخم من النساء المكرمات لمناسبة عيد الأم باعتبارهن أمهات مثاليات. وكما هو متوقع، حفلت وسائل الإعلام بتغطية كبيرة لهذه التكريمات التي استمرت حتى حلول العيد قبل أيام.

ولأن المشهد ليس كله مشرقاً أو إيجابياً، استغلت جمعيات ومنظمات حقوق النساء المصرية فرصة «مولد شهر مارس» لإصدار تقاريرها المنددة بعنف الرجال ضد النساء، واضطهاد الرجال للنساء، والتفرقة في المعاملة والأجور بين الموظف والموظفة، ولائحة طويلة من الدراسات والتقارير التي تزدحم بها الشبكة العنكبوتية هذه الأيام وتتناقلها المواقع المختلفة التي يميل الكثير منها إلى إحياء شهر آذار النسوي بطبل وزمر أشبه بطبول الحرب، منبهاً إلى تدني وضع المرأة، ومحذراً من استمرار المد الذكوري، ومندداً بما سمّاه «الاعتناء الرسمي بالشكليات على حساب الأفعال في ما يختص بحقوق النساء».