تحذيرات طبية من خطورة خمول الأطفال

الحياة الخاملة أضحت جزءا من عالم التلفزيون والكومبيوتر
الحياة الخاملة أضحت جزءا من عالم التلفزيون والكومبيوتر

لا شك أن الكثير من الأطفال يفضلون قضاء معظم أوقاتهم في مشاهدة برامج التلفزيون أو الجلوس أمام شاشات الكومبيوتر، خاصة في المجتمعات المتقدمة والمناطق الحضرية والمدن الكبرى، وهو ما يستلزم بالضرورة جلوسهم لفترات طويلة من دون أي نشاط بدني وهو الأمر الذي يمثل خطرا على صحة الطفل فيما بعد، وهو ما أشارت إليه دراسة حديثة نشرت في بداية شهر أغسطس (آب) من العام الحالي في دورية المجلة الأميركية للعلوم الحيوية للإنسان «American Journal of Human Biology».
ضعف التناسق الحركي
وأوضحت الدراسة أن الأطفال الذين يقضون نحو ثلاثة أرباع أوقاتهم في أعمال رتيبة وخاملة من شأنه أن يزيد نحو 9 مرات من فرص ضعف التوافق في الجهاز الحركي لديهم. وأشارت الدراسة التي تم إجراؤها على أطفال من البرتغال، إلى أن عدم اعتلال الطفل أو إصابته بالأمراض فقط لم يكن كافيا للتغلب على الأثر السيئ الذي تخلفه الأوقات الطويلة في الأعمال الرتيبة التي يمارسها الأطفال وهم جالسون sedentary lifestyles وأن الطفل يجب أن يمارس الحركات الأساسية اللازمة للجهاز الحركي لاستمرار نشاطه مثل المشي أو حركات اليدين والتي تعتبر اللبنات الأساسية لحركات أكثر تعقيدا بعد ذلك.
ومن المعروف أن الطفولة هي فترة حرجة تتطور فيها مهارات التناسق الحركي لدى الأطفال والتي تعتبر ضرورية للحياة الطبيعية. ويكون لأنماط الحياة الخاملة أثرها السلبي على هذه المهارات وهي تؤدي بالضرورة إلى نقص اللياقة البدنية وإلى السمنة، وبل يمكن أن تؤثر على الحالة النفسية بالسلب، وتؤدي كذلك إلى تراجع الأداء الدراسي.
وقام الباحثون بدراسة 110 فتيات و103 صبيان من 13 مدرسة من المدارس الابتدائية في المناطق الحضرية وتم تركيب جهاز accelerometers لقياس وعد الحركات التي يقوم بها الطلاب ومدى شدتها، حول الخصر لمدة 5 أيام متتالية وقياس التوافق الحركي للأطفال عن طريق ملاحظة التوازن والقفز الجانبي والقفز على ساق واحدة والقفز فوق حواجز.
وفي أثناء هذه التجارب تم توزيع استبيان للآباء للمتغيرات الصحية التي لاحظوها على أبنائهم وتم الوضع في الحسبان فترة ارتداء الجهاز واختلاف قياس الخصر من طفل إلى آخر وعلاقته بالطول وكذلك الظروف المنزلية التي تختلف من طفل لآخر.
خمول ورتابة
وكانت المحصلة النهائية أن معظم الأطفال قضوا ما يزيد على 75 في المائة من أوقاتهم في أوقات تتميز بالخمول والرتابة وكان التأثير الأكبر على التوافق الحركي من نصيب الذكور أكثر كثيرا من الإناث وتبين أنه بالنسبة للفتيات اللاتي قضين نحو 76 في المائة من أوقاتهن في خمول كانت نتيجة تأثر التوافق الحركي لديهن أقل من أقرانهن من الفتيات النشيطات بنحو من 4 إلى 5 مرات، بينما زادت النسبة في الذكور لتصل إلى من 5 إلى 9 مرات أقل من أقرانهم موفوري النشاط.
وعلى ذلك تعتبر المستويات المتزايدة من الحياة الخاملة بمثابة مؤشر مستقل على ضعف التوافق الحركي للأطفال وهو ما يعتبر اكتشافا جيدا خاصة أن هناك نقصا في الدراسات التي تربط بين الحياة الخاملة والتوافق الحركي.
ولا شك أن الآباء يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في توجيه الأبناء للابتعاد عن قضاء أوقات طويلة في خمول وهو ما أشارت إليه دراسة أخرى نشرت في مطلع العام الحالي في المجلة الأميركية للنهوض بالصحة American Journal of Health Promotion التي قام بها باحثون من جامعه تكساس بالولايات المتحدة وأوضحت أن اهتمام الأسرة بالطفل يكون له تأثير كبير في حث الطفل للابتعاد عن الخمول وتقليص الوقت الذي ينقضي في مشاهده التلفزيون أو الجلوس أمام شاشات الكومبيوتر بما يعرف بالوقت المنقضي أمام الشاشة «screen time» خاصة الأطفال المعرضين لخطر السمنة.
وقام الباحثون بتتبع 418 طفلا ووالديهم لمدة عامين في أعمار تتراوح ما بين 5 و9 سنوات شاركوا في برنامج يسمى «التغيير نحو حياة صحية»، الذي يهدف إلى نشر ثقافة الغذاء الصحي وتشجيع مشاركة الأسرة وحثهم على ممارسة الرياضة وكان الدارسون قد قاموا بتجميع بيانات من الأسر حول الدعم المعنوي المقدم لأطفالهم لتشجيعهم للإقلاع عن الحياة الخاملة.
وكانت النتيجة أن الأطفال الذين مارسوا القدر الأكبر من النشاط البدني كانوا من الأطفال الذين تمتعوا بأكبر تشجيع من أسرهم. وقد لاحظ الدارسون اختلافا بين الجنسين، حيث إن الفتيات يقضين وقتا أقل أمام التلفزيون والكومبيوتر في البداية ولكن الفتيان أبدوا استعدادا لتقليل الوقت المنقضي أمام الشاشات في حاله تشجيع الآباء للأنشطة المختلفة والفعالة.
والأمر يحتاج إلى وعي من الأسرة بضرورة وأهمية دورهم في إثناء الطفل عن الجلوس أمام الشاشات، سواء التلفزيون أو الكومبيوتر حتى لو لاستذكار الدروس المدرسية، إذ إن من المهم جدا الدفع بالطفل لممارسة النشاط البدني حتى لا تتأثر صحته سلبا بذلك، خاصة أن الجلوس الطويل أمام الشاشات أصبح يصنف على أنه من عوامل الخطورة التي تؤدي إلى السمنة، خاصة أنه مرتبط بعادات أخرى غير صحية مثل تناول وجبات خفيفة أثناء المشاهدة.
ويجب أن يعي الآباء أنه حتى لو كانت هناك صعوبة في نهي الأطفال عن الجلوس في خمول لساعات طويلة لرغبة الأبناء في الاستمتاع باللعب أو مشاهدة الأفلام فإن ذلك يمكن تعويضه ببساطة لأن مجرد قضاء الطفل لساعة أو أقل في أنشطة حركية كافية لحمايته من المخاطر الصحية وتحد من خطورة جلوسهم لفترات طويلة أمام الشاشات، ولذلك يجب أن تتوافر المساحات اللازمة لممارسة هذا النشاط سواء في المدارس أو النوادي.
أهمية التمارين الرياضية
وفي دراسة إنجليزية حديثة نشرت في مطلع العام الحالي أيضا، قامت بجمع بيانات من 14 دراسة شملت 20 ألف طفل في متوسط أعمار تتراوح ما بين 4 أعوام و18 عاما على مستوى العالم وأيضا تم قياس حجم الوقت المنقضي في النشاط البدني مقارنة بالوقت المنقضي في الاسترخاء، تبين أن التمرينات الرياضية المتوسطة القوة تفيد الأطفال بغض النظر عن نوعية النشاط شريطة أن يمارس بقوة توازي المشي السريع على سبيل المثال، سواء كانت هذه النشاطات رياضة نظامية أو مجرد جري في المتنزهات أو حتى المشي.
وإجمالا كانت النسب نحو 75 في المائة من الأطفال في الوزن الطبيعي، بينما كان نحو 18 في المائة يعانون من زيادة في الوزن ونحو 7 في المائة يعانون من البدانة مع الوضع في الاعتبار أن معظم الأطفال الذين شملتهم الدراسة مارسوا النشاط البدني نحو 30 دقيقة يوميا وقضوا ما يقارب نحو 6 ساعات في استرخاء وخمول.
واتضح أن الأولاد والبنات الذين مارسوا الرياضة لمدة تزيد على 35 دقيقة تمتعوا بمستويات أقل من الكولسترول والدهون الثلاثية (وهي مؤشرات جيدة للوقاية من أمراض القلب)، وكذلك كانت معدلات ضغط الدم لديهم أقل وكان وزنهم أقل من الأطفال الذين مارسوا الرياضة لمدة أقل من 18 دقيقة وكان محيط الخصر أقل بنحو بوصتين من أقرانهم الذين لم يمارسوا النشاط بالشكل الكافي.