«فاشيرون كونستانتان» تترجم ساعات الزمن الجميل بثلاثة نماذج

علاقة الفن بالموضة أصبحت من الكليشيهات بحكم أن الكل أصبح يغوص في شتى الفنون لاستلهام أشكال ونقوشات يطعمون بها الأزياء والإكسسوارات، على العكس من علاقة الفن بالساعات الميكانيكية.
فهذه العلاقة نادرة لكنها عندما تحدث ويحصل التزاوج بينهما، فإن النتيجة تكون في الغالب باهرة، وهذا ما برهنت عليه مجموعة دار «فاشيرون كونستانتان - ميتييه داغ»، التي تشمل ثلاثة نماذج، بحركة أوتوماتيكية ميكانيكية.
كل واحدة من هذه الساعات، التي تحمل اسم «ميتييه دار – ليزونيفيرس إينفيني» تتمتع بأدق التقنيات الزخرفية المستخدمة في مضمار صناعة الساعات، من تلبيس ونحت وترصيع وزخرفة على الميناء، وكلها بأشكال مستلهمة من إبداعات الفنان الهولندي ماوريتس كورنيليس إيشر. 
وبالفعل جاءت النتيجة مدهشة خصوصا أنها لم تكن متوقعة، إذ إنه على الرغم من أن «فاشيرون كونستانتان» منذ تأسيسها في عام 1755 على يد جان مارك فاشيرون، الذي جعل من أولوياته توظيف متدرب ينقل إليه مهاراته وخبراته منطلقا من قناعة بأنه لا حدود للإبداع.
هذه الفكرة ظلت حية تجري في شرايين الدار إلى اليوم، فمهارات الدار لم تقتصر على التقنيات العالية والحركات المعقدة، أو حتى على التصاميم بل شملت أيضا فنون التلبيس والترصيع والحفر والزخرفات المتنوعة التي من شأنها أن تحول أي ساعة من ساعاتها إلى تحف فنية.
بدوره، ألهم الفنان الهولندي إم سي إيشر العديد من الفنانين والرياضيين على حد سواء، بل حتى الأدباء، خصوصا علاقته بالفسيفساء أو «الزليج» المغربي وغيرها من الأشكال التي تحفز الذهن على التفكير وتمتع العين بتأثيراتها الساحرة والمتداخلة.
فقد كان إيشر (1898 – 1972) فنانا تصويريا وأستاذا للحفر الفني أبدع في التلاعب الدقيق بفن العمارة والرسم المنظوري والفراغ. وكان لرحلاته إلى إسبانيا أكبر تأثير في نفسه مما ولد لديه شغفا في تقنية الرصف والتبليط والفسيفساء، وتحديدا المغربي الذي كسا أرضية وجدران قصر الحمراء في غرناطة وجامع قرطبة .
إذ أظهرت عمليات تركيب الفسيفساء وتناسقها أنه من الممكن تقطيع المساحة وتعبئتها بواسطة أشكال هندسية مرسومة على نحو متشابه ومرصوفة بشكل متلامس بحيث لا تترك أي فراغ. 
ولا شك أن هذا العمل التجريبي خلف انطباعا رائعا لدى إيشر وغيره من العلماء، ولا سيما لدى المتخصصين في علم البلوريات والفيزيائيين، نظرا لاحتوائه على عنصر رياضي مهم. بيد أن إمكانية إبدال الأشكال الهندسية المجردة للرسوم المتكررة بواسطة رسوم رمزية أو مجازية قد أصبحت بالنسبة للفنان مصدرا لا ينضب من الإلهام. 
ورغم أن الفنان إيشر شغل العديد من الفنانين والعلماء بأسلوبه، لكنه قبل دار «فاشيرون كونستانتان» لم يدخل مجال الساعات، ولم يفكر أحد من قبل أن يستلهم من موتيفاته، الأمر الذي غيرته «فاشيرون كونستانتان».
فمن تقنية الرصف الفسيفسائي، استوحت الساعات الثلاث.. الأولى تحمل اسم «اليمامة» بعلبة مصنوعة من الذهب الأبيض وإطار رفيع يضمن فتحة واسعة للميناء تجري فوقها برشاقة عقارب مجوفة التصميم، وترصع هذه الساعة 40 ماسة. 
الساعة الثانية باسم «السمكة»، وتتميز بظلال تتدرج من الأزرق والرمادي لتشكل سربا من الأسماك. أما الساعة الثالثة فتحمل اسم «المحارة»، حيث تشكل المحارات ونجمات البحر قاعا مضاء بلون المغرة الصفراء تجري فوقه عقارب ذات بنية خفيفة.
وترسم المحارات ونجمات البحر المتشابكة مع بعضها دائرة مدهشة تعرض، وفق الضوء، التفاصيل المختلفة لتركيبها البنيوي.
لكن جمالية هذه المجموعة لا تقتصر على شكلها الفني، بل أيضا حركتها الأوتوماتيكية من «كاليبر 2460 إس سي» بقطر 26.20 ملم وسماكة 3.60 ملم، كما أنها تعمل بطاقة تشغيل احتياطي تبلغ نحو 40 ساعة.
وتحتضن هذه الحركة علب من الذهب الأبيض يبلغ قطر الواحدة منها 40 ملم، بخلفية مكشوفة يكسوها الكريستال السافيري بقدرة على مقاومة ضغط الماء حتى عمق 30 مترا، بينما يغطي الحركة ميناء من الذهب عيار 18 قيراطا.
كل علبة في هذه المجموعة هي ثمرة عمل أربعة من أمهر الصناع في الشركة، يبدأ مع النحات أو الحفار، ويستمر مع فني التلبيس ثم تقني الترصيع، ويتكامل العمل مع النقاش قبل أن يعرف طريقه إلى معصم من يسعفه الحظ بالحصول على واحد منها.