«Chanel» تحتفل بـ 80 عاما على أول مجموعة مجوهرات بـ 80 قطعة جديدة

عندما يذكر اسم كوكو شانيل، فإن أول ما يخطر على البال الفستان الأسود الناعم وتايورات التويد المفصلة التي تغطي الركبة، وحتى بنطلونات الجيرسيه الواسعة، التي أرادت منها منح المرأة حرية الحركة والتحرر من القيود الرسمية وطبعا تلك الحقيبة التي تعلق على الكتف بسلسال أيضا لتحرير يد المرأة.
ما لا يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، هو المجوهرات الرفيعة. والمقصود هنا ليس عقود اللؤلؤ المصفوف، بل جواهر من ماس وبلاتين.
السبب مفهوم وله ما يبرره، فهي لم تقدم سوى مجموعة مجوهرات يتيمة في عام 1932، أثارت عليها غضب صاغة «بلاس فاندوم» الذين رأوا في استعمالها ماسات «ديبيرز» تعديا صارخا وغير مقبول على تخصصهم.
ما لم يمكن لأحد منهم الاعتراف به هو تخوفهم من قدراتها الإبداعية السابقة لزمنها، وفي وقت كانت فيه بيوت المجوهرات تعتمد على حجم الأحجار وجودتها أولا وأخيرا. 
ولا شك أن دخول المصممة هذا المجال، وفي ذلك الوقت الذي كان فيه العالم لا يزال يرزح تحت ثقل الأزمة الاقتصادية العالمية، كان مجازفة مثيرة كما كان تحديا تستعرض من خلاله قدراتها الإبداعية التي لا حدود لها.
فمبيعات الماس كانت تتراجع بشكل جعل نواقيس الخطر تدق في شركة «ديبرز» مما جعلها تستعين بها لكي تعيد للماس بريقه.
وكانت النتيجة مجموعة أطلقت عليها «بيجو دو ديامون» Bijoux de Diamants تتكون من 35 قطعة اعتمدت فيها على الماس والبلاتين فقط. لا حاجة للقول إن التصاميم، كانت مبتكرة وفي غاية الإبداع، حيث أخذت أشكال نجوم ومذنبات ونيازك وريش.
ولم تكتف فيها المصممة بالتركيز على التصميم؛ بل راعت فيها أيضا أن لا تسرق الأضواء من الماس، وأن تأتي بعدة وظائف، بحيث يمكن تفكيكها بسهولة لتتحول إلى قطع مختلفة، مثل عقد على شكل نجمة يمكن تفكيكه ليصبح بروشا وثلاث أساور، وآخر يمكن أن يتحول إلى بروش وطوق شعر.
دارت الأيام وتغيرت خريطة الموضة والمنتجات المترفة، وها هي «شانيل» تحتفل هذا العام بمرور 80 عاما على مجموعة «بيجو دو ديامون» هذه، ويا له من احتفال. 
فقد طرحت 80 قطعة أطلقت عليها اسم «1932» في تحية واضحة لكوكو شانيل ومحاولتها دخول عالم المجوهرات الراقية التي أجهضت قبل أن تتبلور.
ففي باريس وخلال أسبوع الـ«هوت كوتير» لشتاء 2012، حولت الدار قاعة بداخل متحف برانلي إلى ما يشبه المرصد الفلكي بظلمة الليل تخترق سماءه نيازك ونجوم ومذنبات، تجسدت في كثير من هذه الجواهر. 
وتقول القصة إن كوكو الطفلة التي كانت تعيش في ملجأ أيتام، كثيرا ما كانت تنام على ظهرها وتنظر إلى النجوم والقمر وتحلم.
هذه السماء والأحلام، هي التي ألهمت مجموعتها في عام 1932، وكانت البذرة التي بدأت تلك العلاقة الحميمة بين التصميم المبتكر والأنيق والتقنيات العالية في عالم المجوهرات. عناصر شكلت تحديا كبيرا لفريق «شانيل» عندما بدأت عملية تصميم 80 قطعة هي مجموع القطع التي تشكل مجموعة «1932 الجديدة».
التحدي بالنسبة لبينجمان كومار، المدير العالمي لقسم المجوهرات الراقية كان «يتمثل في الحصول على نتيجة تليق بالمستوى وكان السر هو الابتكار، ثم التقنيات المناسبة لتنفيذ التصاميم. فنحن دائما نبدأ بالتصميم ثم اختيار الأحجار على عكس غيرنا. 
التحدي أمامنا كان إيجاد التقنيات الخاصة بقطع الأحجار وترصيعها. فعلى سبيل المثال، لإعداد خاتم مرصع بالسفير يتميز بتقنية ثلاثية الأبعاد تمثل صورة السماء في الليل.. للوصول إلى هذه النتيجة قمنا بتصميم 13 نموذجا. العقد المصنوع من اللؤلؤ على شكل ربطة عنق، استلزم تقصيره بطريقة خفية وذكية تعتمد على إمالة الأحجار، وإسنادها على بعضها البعض، الأمر الذي كان معقدا.
وفي مجموعة (إيتوال فيلونت/ النيزك) كان علينا تقطيع الأحجار بشكل معين حتى يتناسب مع التصميم، وهكذا، ففي كل مرة كانت عملية إضفاء الحياة على الرسومات تستغرق منا وقتا طويلا. لكن جاءت النتيجة مرضية، عبارة عن موزاييك مكون من ماسات بأشكال مختلفة».
وغني عن القول أن الفرق بين الحفاوة التي استقبلت بها هذه المجموعة، والهجوم الذي واجهته مجموعة «بيجو دي ديامون» في عام 1932، مثل الفرق بين السماء والأرض. حينها قامت الدنيا ولم تقعد، بل هناك وثائق عبارة عن شكاوى تقدم بها صاغة «بلاس فاندوم» لـ«ديبيرز» متذمرين متسائلين كيف تفكر الشركة في أن تستعين بمصممة أزياء تقحم نفسها في عالمهم الخاص؟.
للأسف ربحوا القضية واضطرت الآنسة شانيل بعد تقديم مجموعتها أن تفككها، وتتوقف عن تصميم المجوهرات مكتفية بحقائب اليد والعطور والإكسسوارات الأخرى طالما لا تستعمل فيها الماس أو البلاتين وغيرها من الأحجار الكريمة.
في عام 1993 وعندما عادت الدار إلى تصميم المجوهرات، كانت الثقافة قد تغيرت، وأصبح دخول مصممين مجال المجوهرات مقبولا، بعد أن أدرك معظم الصاغة، أن التصميم لا يقل أهمية عن جودة الأحجار وصفائها، وأن تزاوج الموضة والمجوهرات نتيجة حتمية يفرضها تطور العصر. بعبارة أخرى لم يكن هناك تذمر من عودة «شانيل» لتصميم المجوهرات الراقية، بل يمكن القول إن رد الفعل كان إيجابيا وإن لم يَخلُ من منافسة.
ولا شك أن المجموعة الجديدة ترسخ مكانة «شانيل» بوصفها دار مجوهرات رفيعة، كما هي دار أزياء قوية. فرغم أن 80 قطعة، ليس بالعدد القليل، فإنها نجحت في تقديم تصاميم بقوة وأهمية المناسبة التي قال بينجامين كومار إنها «احتفال بنضجنا في مجال المجوهرات الرفيعة؛ إذ لم يكن من الممكن أن نقوم بهذا الأمر منذ عشر سنوات.
فحين احتفلنا بـ 70 عاما، لم ننتج سوى قطع مقلدة وتصميم واحد مبتكر، أما الآن فنحن في موقف أفضل وأقوى. لقد تطورنا بشكل كبير في العقد الأخير، وأتمنى أن نقدم 100 قطعة بعد عشرين سنة أخرى، عندما نحتفل بعيد ميلاد المجموعة المائة».
وأضاف بابتسامة انتصار وزهو:
«إذا كانت الدار في السابق تعتمد على شهرتها وقوتها في مجال تصميم الأزياء، فإن الأمر تغير الآن؛ لأن تصميم الأزياء وتصميم المجوهرات أصبحا وجهين لعملة واحدة. فقد دخلنا مجال المجوهرات من باب التصميم، وأنا متفائل بأن هذا المجال توسع، ويمكن أن ينمو ويتوسع أكثر».
كان بينجامين كومار يتكلم بثقة وهو يحتسي عصيرا مثلجا فوق سطح متحف «برانلي» بينما يقف برج إيفل شامخا خلفه، وكأن العالم لا يرزح تحت ثقل الأزمة المالية منذ بضع سنوات. لكن مما لا شك فيه أن عشق الدار الظاهر للترف لا يقتصر على حاضرها المزدهر، ففي عام 1932 كان العالم أيضا يعيش أزمة اقتصادية عالمية لم تثن المؤسسة عن طرح مجموعتها «بيجو دو ديامون» المصنوعة بالكامل من الماس والبلاتين. 
ولا يمكن مقارنة الأزمة في عام 1932 بالأزمة الحالية، حسبما برر السيد كومار:
«الأولى كانت أكثر شراسة بسبب انهيار العملات والتضخم المالي.. لا أنكر أن الأزمة المالية الحالية تثير القلق لكنها ليست بنفس الحدة، لأن ظهور أسواق جديدة مثل الشرق الأوسط، والصين، والبرازيل، وروسيا، اليابان ساعد على عدم تأثر سوق المنتجات المترفة. فالعالم أصبح الآن أكثر توسعا، وثقافة الشراء تغيرت أيضا؛ لأن الناس يريدون أن يشتروا قطعا للاستثمار».
كان واضحا من كلامه أن طرح المجموعة الجديدة في عز الأزمة الاقتصادية لم يكن التحدي الذي سبب الأرق لفريق قسم تصميم المجوهرات، بقدر ما كان التحدي هو تصميم 80 قطعة مختلفة، من جهة، واحترام المبادئ التي أرستها مؤسسة «كوكو شانيل» في تشكيلتها القديمة واليتيمة، من جهة ثانية. مبادئ تعتمد على المرونة والعملية وسهولة ارتدائها بأشكال مختلفة، إلى جانب أن تكون كل قطعة متميزة، حسب كومار الذي قال: «يجب أن تكون هي نقطة الجذب، أو بمثابة تحفة قائمة بحد ذاتها، لا أن تكون مجرد مكملة لفستان أو تسريحة شعر».
وبالفعل فإن عقد «كوميت» الذي قدمته كوكو شانيل منذ 80 عاما على شكل نجم ذي ذنب جاء في المجموعة الجديدة على شكل نيزك «إيتوال فيلونت» يتكون من شلال من السلاسل تنتهي بماسات مستطيلة مشبوكة بماسة ضخمة بزنة 15 قيراطا يمكن أن تتحول إلى دبوس يوضع على الكتف أو الصدر بعد تفكيكه.
هذه العملية التفكيكية، كانت مهمة بالنسبة لكوكو شانيل بحكم أنها المصممة التي حررت المرأة من قيود الكورسيهات، والأزياء ذات التفاصيل المبالغ فيها، الأمر الذي طبقته في المجوهرات.
وهذا المبدأ أيضا هو الذي سار عليه فريق العمل؛ فإذا كانت هي مبتكرة ومبدعة في زمانها، فهم أيضا يجب أن يقتدوا بها، ويستفيدوا من التقنيات الجديدة التي لم تكن متوفرة لها في ذلك الوقت، بابتكار أساليب جديدة كانت نتيجتها قطعا من دون أقفال، مثلا، يمكن للمرأة أن ترتديها من دون مساعدة أحد، وغيرها من التقنيات التي كانت كوكو تؤمن بها أو ستستعملها فيما لو توفرت لديها.
مجموعة «1932» الجديدة تدور حول موضوعين؛ الأول هو الكون مما يفسر أشكال القمر والمذنبات والنجوم، والثاني هو الـ«كوتير» ومنه ولدت أشكال الريش والشراريب والأشرطة، وكلها أشكال استعملتها كوكو شانيل وعاد إليها فريق قسم تصميم المجوهرات ليطعموها بعناصر تجعلها أكثر ملاءمة للعصر. 
ورغم صعوبة التقنيات وتعقيداتها، فإنها شكلت تحديا ممتعا. فكوكو شانيل كانت تتمتع بشجاعة وبإحساس فطري لا مثيل لهما، فضلا عن رؤية مستقبلية سهلت على فريق العمل مهمته، حسبما وضح السيد كومار.
ونظرة سريعة للمجوهرات التي تم استعراضها على طول القاعة الواقعة بداخل متحف «برانلي»، وكان بريقها الضوء الوحيد الذي تلمس الحضور من خلاله خطاهم، تؤكد أن المهمة نفذت بنجاح.
فقد روعي فيها الإرث الذي خلفته، وذلك الإحساس الأنثوي القوي الذي لا يمكن تفسيره، وأيضا تلك الأناقة الراقية التي جردت المجوهرات من صورتها الاستعراضية للجاه. فهي لا تخاطب الملوك والمهراجات فحسب، بل أيضا تخاطب امرأة أنيقة تعرف ما تريد ولها الإمكانات لكي تقتني ما تريد.
صحيح أن مجوهرات «شانيل» الراقية ليست سلعة ولا أحد يريدها أن تكون كذلك، لأن الناس دائما يشترون المجوهرات وفكرة الاستثمار في البال، لكن هناك جانب عاطفي أيضا لا يمكن تجاهله
فالمجوهرات عموما تدخل السعادة على النفس، وفي أوقات الأزمات خصوصا، يميل إليها الناس أكثر، والسبب أيضا عاطفي، حسب قول كومار، الذي أضاف وابتسامة كبيرة ترتسم على محياه: «مجوهراتنا تجعل الناس سعداء عندما يحصلون عليها.. إذن نحن نبيع السعادة».
المثير، الذي قد يفسره البعض بعجائب الأقدار، أن «شانيل» وبفضل القوة التي اكتسبتها من مجال الأزياء والإكسسوارات أصبحت تتمتع بقوة وإمكانات لا يستهان بها. ففي الوقت الذي كانت فيه بعض دور المجوهرات المتخصصة، مثل «بوشرون» و«شوميه» تفتقد إلى الإمكانات المادية التي تمكنها من الحصول على كميات وأنواع مختلفة من الأحجار لابتكار تصاميم جديدة كانت «شانيل» و«كارتييه» من البيوت القليلة التي تتمتع بهذه القوة، أو بالأحرى بهذا الترف. 
طبعا تغير الوضع حاليا بعد انتعاش سوق المجوهرات الراقية، وأيضا بعد أن تم شراء معظم البيوت الكبيرة، من «شوميه»، «بوشرون»، «فان كليف أند أربلز» وغيرها من قبل مجموعات كبيرة، مما جعل فضاء الابتكار أوسع أمام «شانيل»، بحكم أن المنافسة تحفز على الإبداع.