استخدام الفيروسات للقضاء على الأورام السرطانية

مرضى السرطان يتحسنون في بعض الحالات مؤقتا عند الإصابة بعدوى فيروسية
مرضى السرطان يتحسنون في بعض الحالات مؤقتا عند الإصابة بعدوى فيروسية

- الفرضية: من الممكن تصميم فيروسات تهاجم الأورام.
- الباحثون: الدكتور روبرت مارتوزا من كلية الطب بجامعة هارفارد، الدكتور برنارد رويزمان من جامعة شيكاغو، والدكتور أيان موهر من جامعة نيويورك.
- الحالة:أصيب صبي يبلغ عمره أربعة أعوام، يعاني من سرطان الدم، بمرض جديري الماء عام 1945، فعاد كبده وطحاله المتضخمان بفعل السرطان إلى حجمهما الطبيعي، وانخفض عدد كريات الدم المرتفع إلى المعدل الطبيعي الذي يوجد لدى طفل يتمتع بصحة جيدة.
استقبل الأطباء المعالجون خبر تحسن حالته المفاجئ بسعادة غامرة، ولكن لم يستمر هذا طويلا، فبعد مرور شهر عاد سرطان الدم واشتد سريعا حتى قضى الطفل نحبه.
عدوى فيروسية
في بداية التسعينات لم يكن هناك الكثير مما يمكن أن يساعد مرضى السرطان، حيث كان المرض ينتهي بالوفاة سريعا، إلا إذا استطاع الجراحون استئصال الورم، لكن في الكثير من الحالات التي تم نشرها على مدار السنوات الماضية، لاحظ الأطباء شيئا غريبا وهو تحسن مرضى السرطان في بعض الحالات مؤقتا عند الإصابة بعدوى فيروسية.
ولم تكن تلك مصادفة؛ حيث اكتشف الباحثون أن أغلب الفيروسات تهاجم خلايا الورم، فلقد حاولوا لعقود تسخير تلك الظاهرة حتى تتحول إلى علاج للسرطان. والآن بعد سلسلة من التجارب الفاشلة، أوشكوا على النجاح من خلال الفيروسات المركبة وراثيا التي يمكن استغلالها للقضاء على مرض السرطان.
يقول الدكتور روبرت مارتوزا، جراح الأعصاب بالمستشفى العام بجامعة ماساتشوستس وأستاذ علم الأعصاب بكلية الطب بجامعة هارفارد: «كان ذلك وقتا مثيرا، وأعتقد أن الفكرة ستنجح مع بعض الأورام وبعض الفيروسات». وأشار إلى أن بعض الأشخاص يخضعون حاليا لتجارب متقدمة في هذا الشأن.
وإن كان بإمكان الخلايا السرطانية أن تتكاثر بشراسة، فإنها في المقابل لا تستطيع أن تصد العدوى بنفس فاعلية الخلايا السليمة. وبحث العلماء طويلا عن طرق لخلق فيروسات ضعيفة جدا لا تدمر الخلايا السليمة، ولكن قوية بالقدر الكافي لاجتياح وتدمير الخلايا السرطانية، وكان ذلك يمثل تحديا طويلا وصعبا.
لقد بدأ الباحثون الطريق عام 1904 عندما اكتشفوا أن امرأة تعاني سرطانا في عنق الرحم تعافت مؤقتا عندما تم حقنها بعقار مضاد لداء الكلب. وفي منتصف القرن قاموا بعلاج مرضى السرطان بفيروسات حية، كما حاولوا إصابة الأطفال المصابين بشلل الأطفال والفيروسات الغددية، فقاموا بحقن المرضى بخليط من فضلات طفل سليم ودجاج مريض ومحلول معلقات من طحال قطط صغيرة مصابة «بطاعون القطط».
كان مصير تلك التجارب الفشل، فقد عاد السرطان، بل في حالات أسوأ تسبب الحقن في «الإصابة بعدوى مميتة للعائل»، طبقا لما جاء في تقرير الدورية الأميركية لعلم الأمراض لعام 1964.
فيروس مضاد
تم إيقاف الأبحاث لفترة، لكن عام 1991 تمسك دكتور مارتوزا بفكرة استخدام فيروس الهربس البسيط من النوع الأول كمضاد للسرطان «HSV - 1»، ووجد أن مجموع التركيب الجيني لفيروس الهربس البسيط كبير ويستطيع استيعاب عدد كبير من التنوع الجيني والخبن الصبغي.
وأضعف دكتور مارتوزا الفيروس بالتخلص من بعض الجينات به، وتم حقن الفئران التي تعاني سرطانا بالمخ بالفيروس المعدل، وتسبب ذلك في تخفيف حدة المرض، ولكن أغلب الفئران ماتت نتيجة التهاب الدماغ.
ووجد برنارد رويزمان، خبير الفيروسات بجامعة شيكاغو، عام 1990 ما يسمى بـ«الجين الرئيسي» لفيروس الهربس. وعند التخلص من ذلك الجين يفقد الفيروس أي قدرة للتغلب على الخلايا السليمة، وكما اكتشف فيما بعد، كان الفيروس المعدل عاجزا؛ حيث كان كل ما يستطيع عمله هو الإبطاء من نمو الورم فقط.
بعد ذلك في عام 1996، عثر الدكتور إيان موهر على طريقة لتدعيم الفيروس الضعيف الذي عدله دكتور رويزمان، فقام بتعريض الفيروس للخلايا السرطانية على نحو متكرر حتى تكون فيروس متغير له القدرة على التكاثر في تلك الخلايا.
وخلص الدكتور موهر مع طالب بالدكتوراه يدعى مات مولفي، إلى طريقة تجعل الفيروس قادرا على اختراق النظام المناعي، ليجعل منه وسيلة فعالة للقضاء على السرطان. بخلاف العلاج الكيميائي الذي قد يفقد فعاليته مع الوقت، تتكاثر الفيروسات القادرة على محاربة السرطان في الجسم وتكتسب قوة مع الإصابة بالعدوى، وبالإضافة إلى أنها تهاجم الخلايا السرطانية مباشرة، فبعضها ينشط رد فعل مناعيا يستهدف الأورام.
اليوم تجرى تجارب متعددة لفيروسات قد تكون لديها القدرة للقضاء على السرطان، وصل منهم اثنان إلى المرحلة الثالثة من التجارب، كما تم اختبار قدرة شكل معدل من فيروس الفاكسينيا، وهو الفيروس الذي ساعد على التخلص من الجدري، على مهاجمة سرطان الكبد في مرحلة متقدمة، والذي يعد السبب الثالث في الوفاة بالسرطان عالميا.
وفي تجربة تم إجراؤها مؤخرا تضاعفت مدة بقاء المرضى الذين تعاطوا جرعات كبيرة من الفيروس الذي يطلق عليه «JX - 594»، على قيد الحياة من 7 أشهر إلى 14 شهرا مقارنة بالمرضى الذين تعاطوا جرعات قليلة.
وقال توني ريد، مدير الاستقصاء السريري بمركز مورز للأورام بجامعة كاليفورنيا سان دييغو: «لم يسمع أحد عن حدوث شيء إيجابي في تجربة عشوائية». يذكر أن المركز ليس له علاقة بمنتج الفيروس.
وطبقا لاكتشاف الدكتور موهر، يتم إجراء تجارب لاستخدام فيروس الهربس للقضاء على سرطان الجلد؛ حيث أظهرت البيانات الأولية نسبة استجابة تبلغ 26 في المائة. كذلك تم اختبار فيروس ريو في محاربة سرطان الدماغ والعنق، اللذين يصعب علاجهما في أغلب الأحوال. ومن الآثار الجانبية للعلاج بتلك الفيروسات ظهور أعراض بسيطة تشمل الغثيان والإرهاق، وبعض الآلام الخفيفة، بحسب الباحثين.
كذلك يضيف الدكتور ريد، الذي عالج مئات المرضى مستخدما الفيروسات المقاومة للسرطانات: «مقارنة بما يحدث مع العلاج الكيميائي المعتاد، تشبه الأعراض أعراض الأنفلونزا البسيطة التي يمكن علاجها».
ويبدو أن تلك فيروسات سوف تستخدم في المجال الطبي، خاصة عندما تقترن بطرق العلاج الأخرى للقضاء على الأورام الشرسة والمستعصية، حسب ما يقول غاري هيوارد، عالم الفيروسات ببرنامج البحث الخاص بفيروس الهربس بجامعة جونز هوبكينز، ولكن يحذر الدكتور هيوارد من أن «علم الأحياء علم صعب»، وأن تحقيق تقدم فيه يكون تدريجيا على الأرجح.
ويرأس الدكتور مولفي الآن شركة في بالتيمور تقوم باختبار الفيروسات لمحاربة سرطان الجلد وسرطان المثانة، كما أشار إلى أن التحدي الحقيقي الآن هو إقناع الآخرين بأن العلاج الجديد ليس دربا من دروب «الخيال العلمي»، قائلا: «لحسن الحظ بدأت تلك العقبة في الزوال».