معرض ميلان الدولي للأثاث والابتكارات 2012 .. صديقا للبيئة

المصمم الهولندي فريدريك رويج وتصميمه الذي يستهدف جذب العصافير
المصمم الهولندي فريدريك رويج وتصميمه الذي يستهدف جذب العصافير

 عالم الخيال الخصب والإبداع يصطدم بالأزمات المالية وإجراءات التقشف التي انتهجتها إيطاليا أثارت الرغبة في الراحة والحاجة للابتكار مثل هذه القطع للمصممم جون ميشال ويلموت 
«شكرا ستارك»، عبارة نقشت على الجدران وتناقلتها ألسنة المصممين والنقاد والمنتجين لتقديم التحية للمصمم العبقري «فيليب ستارك» على ابتكاراته المدهشة التي فتحت للمصممين الشباب الباب لدخول عالم الخيال الخصب والإبداع في معرض ميلانو الإيطالي للأثاث أحد أكبر المعارض الدولية المتخصصة الذي شارك فيه نحو 2500 شركة ومصمم من أكثر من 30 دولة حول العالم.
للعام الثالث على التوالي عرض المصممون الناشئون أعمالهم ودخلوا في تنافس ساخن مع أساتذتهم، ومنهم ستارك صاحب التصميمات والمبتكرات التي تتوجه إلى كل الفئات والطبقات.
قبل عشر سنوات، كانت التصميمات التي تنم عن وعي اجتماعي تمثل عروضا جانبية في المعرض، ولكنه الآن تباهت مجموعة من الشركات بالمواد الصديقة للبيئة وعرضت مبتكرات جديدة من شأنها تقليل انبعاثات الكربون.
وذهبت شركة «أوفيكت» السويدية بعيدا إلى حد عرض مقعد روبو من تصميم شركة «لوكا نيتشيتو» من عام 2010، إلى جانب صندوقه لإظهار كيف يمكن تفكيكه وشحنه.
أما ستارك فكان على عهده في تقديم الجديد، لكن أثار جدلا كبيرا هذه المرة عبر عرض لوحة عليها صورة لجهاز عصر ليمون من تصميمه تعود إلى عام 1990، جوهرة من الألمنيوم على أرجل عنكبوتية مع مقبض للعصر.
استبدل الفنان الليمون ببكرة ورق تواليت. ومثل هذا التعامل وجده البعض لا يتسم بالاحترام مع مشروع الرجل التقليدي إلا أن ستارك لم يظهر أي إشارة دالة على التراجع عن المشهد. وعلى النقيض، رسمت طبيعته المتناقضة ملامح معرض هذا العام، والذي تميز بالسعي المتناقض للوعي الاجتماعي والرفاهية غير المقيدة.
ربما يكون أفضل ما عرف به ستارك هو تصميم خيالي سعره 100 دولار لا يفعل أي شيء سوى استخلاص العصير. ولكنه أيضا - أو كما يزعم - مثالي كأي مصمم شاب.
لقد حاول إرضاء محبي الرفاهية هذا العام بالتعاون مع «ليني كرافيتز» في ابتكار أشكال من الكراسي المنجدة لصالح الشركة الإيطالية الراقية «كارتيل»، لكنه في الوقت نفسه عبر عن سعادته بالكرسي الذي صنعه لشركة «إميكو» الأميركية، وتم تصنيع نسبة 90 في المائة منه من مخلفات المصانع المعاد تدويرها و10 في المائة منه من الزجاج. وقال في فيلم ترويجي للمشروع: «مع هذا المقعد الجديد، بدأت أشعر بالسعادة، لأنه مصنوع من لا شيء».
وقد انتقلت العدوى على ما يبدو إلى مصممين آخرين، حيث قام روي بيريرا وريوسيوك فوكوسادا بخبز كعكات صغيرة على شكل مقاعد ومصابيح ومزهريات احتجاجا على وفرة الأثاث الجديد وعدم قدرة المستهلكين على «تحمل تكلفته». وقدمت مارلين جانسن، طاولة «سي سو» تتخذ شكل أرجوحة، تلزم شخصين يتناولان الطعام بالجلوس والمغادرة في الوقت نفسه على وجه التحديد، وإلا سيقع واحد منهما (تعبيرا عن ضيق المكان).
وفي نطاق التجريب، قدم معرض «أوبين ديزاين أركيبيلاغو» الذي نظمته مجلة «دوموس» و«أودي» وسائل لاستغلال شمس الصحراء في صهر الرمال وإنتاج مواد زجاجية، وفي تصنيع مقاعد رخيصة بذراع آلية (من دون الحاجة إلى أيد بشرية).
غير أنه بينما كان هناك عدد كبير من المصممين الذين يحاولون تغيير السلوكيات البشرية والاستعداد لعالم موارده محدودة، بدا الكثير من المنتجات التقليدية تزداد حجما ويصبح ملمسها أنعم، على نحو يفترض معيارا من الراحة المبالغ فيها في أثاث عرف بأسماء مختلفة مثل «سوفت بوكس»، الأريكة الوثيرة من تصميم «ألفريد هابيرلي» السويسرية، والمقعد الهزاز ذي الذراعين من تصميم إسكوس برلين، للشركة الدنماركية «نورمان كوبنهاغن»، وهو ذو مظهر طفولي.
غير أن المعروض من قطع الأثاث لم يعكس حسية الأقمشة هذا العام بدرجة كبيرة مثل المفرش المنسدل المفروش على طاولة «فيروتشيو لافيانيز توايا» لشركة «إميموبيلي».
وبدا أن قوانين الجمال متأثرة بحقيقة انهيار اقتصاد جنوب أوروبا. وأشار الكثير من المشاهدين إلى أن إجراءات التقشف الأخيرة التي انتهجتها إيطاليا قد أثارت الرغبة في الراحة، بينما عزا آخرون الأثاث الأكبر حجما إلى تفشي البدانة.
ومما لا شك فيه أن المنتجين الأوروبيين يحاولون إرضاء أذواق الأجانب الأثرياء في أميركا الجنوبية وروسيا والهند وشرق آسيا، الذين يقدر كثير منهم مظهر وإحساس الرفاهية والفخامة.
سجلت «فيديرليغنو أريدو» جمعية صناعة الأثاث الإيطالية التي ترعى معرض ميلانو، انخفاضا نسبته 9.7 في المائة في مشترياتها المحلية في الفترة ما بين 2010 و2011، مع زيادة حجم صادراتها بنسبة 4.3 في المائة.
وأشار كلوديو لوتي، رئيس «كارتيل» إلى أن «العام الماضي كان أسوأ الأعوام بالنسبة للصناعة، لكننا حققنا أرباحا»، مشيرا إلى متاجر الشركة البالغ عددها 127 بمختلف أنحاء العالم، من بينها سبعة متاجر في الصين.
«العمل غاية في الصعوبة وتعترضه عقبات كبيرة»، هذا ما قالته روزانا أورلاندي، التي كان معرض التصميمات الموسع الخاص بها مليئا بالروائع، مثل «سيرفاس تينشن لامب»، فقاعة صابون متضخمة تحيط بصمام ثنائي باعث للضوء (إل إي دي) من تصميم فرونت لـ «بو ستوديو» في هولندا. وقالت: «نحن محظوظون لأن لدينا عددا كبيرا من العملاء الأجانب، لكن المزاج العام محبط جدا».
لكن، بالنظر إلى تدافع الجموع إلى الأجنحة والمعروضات التي تتسم بالبذخ من قبل شركات الأثاث الدولية وموردي المواد الخام، فقد تطلب الأمر بعد نظر لإدراك التحدي. على سبيل المثال، عرض جناح «سوبر ستوديو بيو» في تورتونا تسعة تماثيل ضخمة من ابتكار مصممين بارزين تلبية لدعوة من صناع الأحجار التركية.
وقال هايبيرلي، الذي كان مشاركا في العرض، أن التكلفة قدرت بنحو 100 ألف دولار للمواد وأعمال البناء وحدهما، دون مصاريف الشحن.
بعيدا عن إظهار مواطن جاذبيتها بشكل واضح، عادة ما تخفي ميلانو كنوزها وراء حوائط منطقة بلون الخردل الأسود، غير أن هذا المعرض كان مشهورا باختراق الكثير من المواقع الرائعة التي قد يكون من المحظور الدخول إليها أو تكون غير مرئية بالنسبة للزائر العرضي، مثل عرضي كل من «بلومارين» و«روبرتو كافالي».
كافالي عرض تصميماته في منزل قديم مزخرف في كورسو فينيزيا، ومنع الزائرين من التقاط صور فوتوغرافية، خشية من تأثير الضوء على لوحات كاناليتو. إلى جانب أرضيات الباركيه المعقدة والأسقف المثيرة سلط الانتباه على سرير منجد بالجلد ومغطى بفراء مخملي، فيما افتقرت كرات مورانو الزجاجية اللامعة لأي وظيفة ملحوظة باستثناء أن تبدو مؤثرة وهي مكدسة على طاولة الطعام. 
وقامت شركة «ميسين» بتأثيث كازا كاركولا غرانديون فيا مونتينابيلون بمجموعة فخمة من الأثاث وإضاءة وأقمشة ومجوهرات، وهو ما يمثل مجالا جديدا جريئا بالنسبة لشركة بورسلين ألمانية تعود إلى 300 عام مضت.
وعلى الأرجح، لم يكن مرتادو المعارض ليدخلوا متحف ليوناردو دافنشي الوطني للعلوم والتكنولوجيا، ما لم يكن هناك حضور للمصمم البريطاني توم ديكسون. فقد نظم هذا المصمم معارض كثيرة في مجمع المتحف - الكائن في موقع دير ومحطة قطار سابقا - بمنتجات موضوعة حول بهو فسيح ووسط قاطرات وطائرات قديمة. 
ويؤدي ممر آخر إلى «الحديقة السرية»، وهي مساحة من تصميم باولا نافون وزها حديد، وتضم ثريات زجاجية من تصميم «باروفيير آند توسو» تتدلى من خيام زرقاء في حدائق النباتات بضاحية بريرا. لكن حتى الحاضرين الذين اختاروا عدم الذهاب إلى الزوايا المظلمة في ميلان يمكنهم رؤية معارض الشوارع والممرات ومثال على ذلك «آي إن سي إتش».
 شركة أثاث عرضت أرفف وطاولات خشبية مصقولة لمصممين إندونيسيين وسويسريين. كما قدمت باولا سي معروضات على طاولات خشبية من تصميم «ألدو سيبيك»، من إيطاليا، وكذلك «بيجوي جاين» الهندية بتقديم نحت في ورشة تابعة لجاين بالقرب من مومباي. فميلانو تحولت إلى معرض مفتوح.