ذراع روبوتية تكشف عما يدور داخل الخلايا العصبية في الدماغ

يعكف الباحثون الآن على التوسع في تصميم عدد من الأقطاب الكهربائية بحيث يمكنها تسجيل ما يحدث داخل خلايا عصبية متعددة في وقت واحد حيث تشكل هدفا رئيسيا لدراسة اضطرابات الدماغ
يعكف الباحثون الآن على التوسع في تصميم عدد من الأقطاب الكهربائية بحيث يمكنها تسجيل ما يحدث داخل خلايا عصبية متعددة في وقت واحد حيث تشكل هدفا رئيسيا لدراسة اضطرابات الدماغ

علم المخ والأعصاب من بين المجالات الواعدة التي سوف تلعب فيها الروبوتات دورا وتأثيرا كبيرا، وبخاصة في مجال جراحة الدماغية والتعرف على الأعمال الداخلية للخلايا العصبية الحية، التي ستوفر ثروة هائلة من المعلومات المفيدة عن أنماط النشاط الكهربائي لها وشكلها وصورة عن المكونات الوراثية (الجينية) للخلايا العصبية ووظائفها وكيفية تشغيلها، الأمر الذي سيسهم كثيرا في دراسة وعلاج الكثير من اضطرابات الدماغ.
ويعد الوصول إلى داخل الخلية العصبية للدماغ من المهام الصعبة والمضنية والبطيئة التي يقوم بممارستها عدد قليل من المختبرات في العالم. 
ولكن في خطوة علمية واعدة يمكن أن تيسر وتسهل الكشف والتعرف عما يدور داخل خلايا الدماغ، تمكن مؤخرا فريق بحثي من كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي (MIT)، ومعهد جورجيا للتكنولوجيا بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية، من تطوير ذراع روبوتية آلية يمكنها تسجيل الحقائق والمعلومات من الخلايا العصبية الحية في الدماغ، تسترشد وتكشف عن الخلايا بواسطة «خوارزم كومبيوتري (computer algorithm)» (مجموعة من العمليات والخطوات الرياضية المنطقية المتسلسلة، لحساب ومعالجة البيانات والتفكير الآلي، وتنسب إلى العالِم العربي المسلم أبي عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي).
حيث أمكن للذراع الآلية تحديد وتسجيل الخلايا العصبية في الدماغ لدى الفئران، بدقة وسرعة أفضل من المجربين من البشر، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في عدد 6 مايو (أيار) الحالي على الموقع الإلكتروني لمجلة «طرق الطبيعة» (Nature Methods)، التي تعنى بنشر البحوث في الأساليب والآليات المستخدمة في المختبرات في مجال علوم الحياة والكيمياء. 
يقول الفريق البحثي إن هذه التقنية الجديدة سوف تلغي الحاجة إلى أشهر من التدريب، كما ستقدم معلومات طال انتظارها من المعلومات حول نشاطات الخلايا العصبية الحية، وسوف يمكن للعلماء استخدامها أيضا، وتصنيف الآلاف من أنواع مختلفة من الخلايا العصبية في الدماغ، وإعداد خريطة لكيفية اتصال بعضها ببعض، ومعرفة كيفية اختلاف الخلايا العصبية المريضة عن الخلايا الطبيعية السليمة. وقد تم تمويل هذه التقنية الجديدة من قبل المعاهد الوطنية الأميركية للصحة والمؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم ومختبر وسائل الإعلام بمعهد «MIT». 
يقول كريغ فورست، الأستاذ المساعد في كلية جورج وودورف للهندسة الميكانيكية بمعهد جورجيا للتكنولوجيا، إن «لدينا من البداية فريقا متعدد التخصصات، مما مكننا من استخدام مبادئ تصميم الآلات الدقيقة لدراسة الخلايا العصبية الحية في الدماغ».
ويقول إد بويدن، الأستاذ المشارك بمختبر البحوث ووسائل الإعلام بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن «هذه التقنية يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص في دراسة اضطرابات الدماغ، مثل انفصام الشخصية ومرض باركنسون (الرعاش) ومرض التوحد (الأوتيزم) والصرع».
ويضيف بأنه «في جميع هذه الأمراض ظل وصف الوظائف الجزيئية والخلوية للخلايا العصبية، التي تتكامل مع خواصها الكهربائية والتوصيلية، بعيد المنال، وإذا استطعنا وصف كيف تعمل الأمراض على تغيير الجزيئات في خلايا عصبية معينة في الدماغ فقد يمكن العثور على أفضل الأدوية لعلاج هذه الأمراض». 
وقد أظهر الباحثون في دراستهم أيضا أنه يمكن استخدام هذه التقنية في تحديد شكل الخلية العصبية، وذلك عن طريق حقن صبغة، ويعملون الآن على استخراج محتويات الخلية العصبية لقراءة صورتها الوراثية (الجينية). 
ويقول الباحثون إن، الأذرع الروبوتية الجديدة تستطيع كشف الخلايا العصبية بدقة تصل إلى نسبة 90 في المائة. وقد أنشأ الباحثون مؤخرا شركة في بداية تشغيلها تعرف باسم «Neuromatic Devices»، في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية، وموقعها الإلكتروني (www.neuromaticdevices.com)، لتسويق هذا الجهاز الروبوتي الجديد (Neuromatic Devices Robot)، الذي تم وضعه تحت اسم «AutoPatch 1500»، ويشمل الأجهزة والبرامج للتعرف على الخلايا العصبية المفردة في الدماغ.
وتقول الشركة إن هذه الأجهزة تقدم أدوات ثورية جديدة لتسجيل ودعم تجارب واسعة ومتنوعة للتعرف على الوظيفة الجزيئية والشكل الظاهري للخلية العصبية المفردة في الدماغ، فمن خلالها سوف يمكن للباحثين تحديدها والتعرف عليها بجودة عالية وبسرعة كافية لدراسة عشرات أو أكثر من الخلايا في اليوم الواحد.
ويمكن للعلماء غير الماهرين إجراء تجارب معقدة وأنواع جديدة من التحليلات المنهجية في الخلية العصبية المفردة وفي الأنسجة السليمة، في مجالات بحثية مثل الهندسة الطبية وهندسة الأنسجة واكتشاف أدوية لتشخيص الأمراض. 
ويعكف الباحثون الآن على التوسع في تصميم عدد من الأقطاب الكهربائية بحيث يمكنها تسجيل ما يحدث داخل خلايا عصبية متعددة في وقت واحد، مما يسمح لهم بتحديد كيفية ارتباط الأجزاء المختلفة من الدماغ، كما يعملون على تصنيف الآلاف من أنواع الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ في قائمة، بحيث يمكن تحديد الخلايا العصبية، ليس فقط من خلال شكلها، وهي الوسيلة الأكثر شيوعا للتصنيف، ولكن أيضا من خلال أنشطتها الكهربائية وصورتها الوراثية (الجينية). 
يقول فورست إنه «إذا كنا نريد حقا أن نعرف ما هي الخلية العصبية، يمكن أن ننظر في شكلها وفي كيفية احتراقها، ثم إذا تم سحب معلومات منها فإنه يمكن أن نعرف حقيقة ما يجري بداخلها، أي أننا نعرف كل شيء عنها وبالتالي يكون لدينا صورة كاملة عنها». 
ويعتقد بويدن أن هذه الدراسة مجرد بداية لاستخدام الروبوتات في علم الأعصاب لدراسة الحيوانات الحية، كما أن روبوتا مثل هذا يحتمل أن يتم استخدامه في بث الأدوية في نقاط مستهدفة في الدماغ، أو لإرسال ناقلات العلاج الجيني. كما يأمل أن تلهم هذه الدراسة أيضا علماء الأعصاب لمتابعة أنواع أخرى من الروبوتات الآلية، لتحديد الدور الذي تلعبه الخلايا العصبية في وظائف الدماغ. 
يقول بويدن إن «علم الأعصاب هو أحد المجالات القليلة في علم الأحياء (بيولوجي) الذي لم تقُم فيه الروبوتات حتى الآن بتأثير كبير، فيمكن للروبوتات أن تفعل الكثير في مجالات من علم الأحياء مثل البيولوجيا الجزيئية (دراسة الأحياء على المستوى الجزيئي)». 
ويضيف بويدن أن «الجهاز الروبوتي الجديد له استخدامات محتملة على عدة جبهات، على سبيل المثال في القدرة على تقييم حالة ومحتويات الخلية العصبية المفردة في الأنسجة السليمة، الذي يمكن أن يحقق أهدافا دوائية جديدة، فقد يكون من الممكن أن يستخدمه الباحثون في التوصل إلى أدوية أكثر تحديدا للأهداف المستخدمة من أجلها، وكذلك في تحليل الخلية المفردة من عينات الأنسجة (biopsies) أو في تحليل عينات الأنسجة أو إزالتها أثناء الجراحة، وكذلك في المساعدة في العلاجات». 
وقال بويدن إن الكثير من المجموعات البحثية تريد استخدام الروبوت الجديد في أبحاثها، وهناك احتمالات تجارية لها كأداة بحثية، وذلك لأن تحليل خصائص الخلية هو أحد الجوانب الرئيسية لعلم الأحياء والبحوث الطبية.