الدمج بين تصميم الأثاث والتكنولوجيا .. بين شد وجذب

الجدل بين الطراز القديم والتكنولوجيا
الجدل بين الطراز القديم والتكنولوجيا

قطع أثاث تواكب العصر الرقمي.. واقع لا مفر منه منها طاولة «ديفال» من «سيلفا/برادشو» تناسب عصر التكنولوجيا ومتطلباته وطاولة «لوف غروف أند ريبوتشي كونشيرتو».
 
يمكن استعمالها بأشكال مختلفة حسب الإكسسوارات التكنولوجية خزانة بأدراج «فلوير دي نوير» من «ثينك فابريكيت» .. طريقة رائعة لتأكيد تقديمها مساحة تتيح شحن الأجهزة الإلكترونية.
 
الجدل بين الطراز القديم والتكنولوجيا وعمليات الدمج بينهما من الأمور التي تشغل حيزا كبيرا من اهتمام مصممي الديكور.
 
مؤخرا وصل فيليب ستارك إلى مانهاتن قادما من باريس، وهو عازم على تقديم اختراع جديد عبارة عن سماعات لا سلكية صممها للشركة الفرنسية «باروت»، لكنه في المقابل بدا أكثر اهتماما بمستقبل عالم التصميم.
 
فقد وقف ببنطلونه الأصفر وحذائه الرياضي الأبيض دون رباط وسط غرفة مؤثثة بأناقة في منزل ريفي فخم، مخاطبا جمعا صغيرا من الناس بابتهاج، طارحا عليهم سؤالا خطابيا: «ما هو مستقبل عالم التصميم؟ لا مستقبل.
 
فعندما يصبح المنتج تكنولوجيا لا يكون هناك منتج في النهاية».
 
ويقول ستارك إن العصر الرقمي أوجد حالة من «اللامادية»، تتقلص فيه سماعات الأذن وتصبح أصغر حجما، واصفا ذلك بـ«أناقة الحجم الأدنى».
 
ما هي المحصلة النهائية؟ زراعة شرائح متناهية الصغر داخلنا لنكون بذلك نحن المنتج. ويمكن أن يستغرق هذا بطبيعة الحال وقتا على العكس من عالم الأثاث.
 
فمع تشكيل التقدم التكنولوجي السريع لحياتنا، تحافظ صناعة الأثاث على خطاها البطيئة مبتعدة عن عالم التكنولوجيا إلى حد كبير.
 
الدليل أنه لا يزال الكثير من تجار التجزئة يصنفون أثاث منتصف القرن الذي صمم منذ أكثر من 60 عاما مضت على أنه «عصري».
 
وحاول مصممو الأثاث خلال السنوات الأخيرة جاهدين مواكبة التكنولوجيا الحديثة بعد انتشار أجهزة مثل «آي باد» والقارئات الإلكترونية وشاشات تلفزيون مسطحة ذات سمك أقل.
 
أحيانا بخيارهم وأحيانا أخرى مضطرين, يقول ريان أندرسون، مدير تكنولوجيا المستقبل في «هيرمان ميلر»: «تسارعت وتيرة التغير التكنولوجي مما يستدعي الحاجة إلى تطوير التصميم حتى يوائمه».
 
وأضاف أنه على مدى العقود الماضية كان لدى المصممين فرصة لتوقع وجهة التكنولوجيا والتخطيط على هذا الأساس.
 
وأوضح قائلا: «من الضروري الاطلاع على أحدث الوسائل التكنولوجية في مجال المساحة والأثاث».
 
من الطرق التي يحاول من خلالها «هيرمان ميلر» تحقيق ذلك، الاستعانة بشخص مثل أندرسون، من خلال خلق وظيفة لم تكن موجودة منذ شهرين.
 
ويعمل حاليا مع فريق تصميم من أجل العثور على أجوبة لأسئلة عصر الإنترنت المربكة، مثل شكل المقر الرئيسي في عصر يوجد به أجهزة الـ«آي باد» والأجهزة اللوحية والأجهزة المحمولة التي تتيح لنا العمل في أي مكان.
 
ولم يتضح بعد ما إذا كان الناس يفضلون استخدام هذه الأجهزة في العمل أو في المنزل، على حد قوله.
 
ومع ذلك فإن الواضح في ما يتعلق بالتصميم هو عدم قدرة الشركة على الاعتماد على مواكبة التكنولوجيا في تقدمها على حد قول غريتشين غيشدل، رئيسة تطوير المنتج في «هيرمان ميلر»، التي تعمل مع أندرسون.
 
وأضافت: «إننا بحاجة إلى تحقيق التوافق بين منتجاتنا وبين التكنولوجيا».
 
ويتفق الكثير من الشركات مع هذا الطرح ويطبقونه حرفيا، ومن الأمثلة على ذلك قطع الأثاث الجديد التي يمكن أن توضع بها أجهزة «آبل» كـ«آيكون بيد» من «هولانديا».
 
المجهز بسماعات خارجية ومضخم صوت ومساحات تتسع لجهازي «آي باد»، أو مجموعة أدراج «فلوير دي نوير» من «ثينك فابريكيت»، التي تعد بمثابة طريقة رائعة لتأكيد تقديمها مساحة تتيح شحن الأجهزة الإلكترونية.
 
من القطع التي كثر الحديث حولها «دي لايت» من «فلوس»، وهي عبارة عن مصباح منضدة مجهز بجزء مخصص لأجهزة «آبل».
 
يشرح أندرو شابيكا، مدير المنتجات في الشركة، إنه من المنطقي الدمج بين قطعة أثاث تستخدم للأغراض اليومية مثل المصباح والـ«آي باد» أو الـ«آي فون» الذي أصبح من الأجهزة الأساسية في حياتنا.
 
وكان ستارك قد صمم المصباح من دون أن يتخلى عن العالم المادي، ولا يعد اسمه على المنتج ضمانا لمواكبته للتكنولوجيا فقط، لكنه أيضا ضمان لتصميمه الرائع. وقال شابيكا: «يمكنه استخدام أفكارنا وإضافة الحسابات الهندسية والخطوط إليها.
 
بدلا من أن تكون أريكة بسيطة، يكون بها مكان مخصص لجهاز (آي باد)».
 
مع ذلك يشعر بعض المصممين بالقلق بشأن هذا النوع من الدمج لأسباب واضحة، فقد كان المقعد الذي يحتوي على مساحة مخصصة لمشغل موسيقى رائجا ومواكبا للتكنولوجيا يوما ما.
 
يقول إدوارد باربر، أحد مؤسسي شركة «باربر أوسغيربي» للتصميم في لندن: «تتجه التكنولوجيا نحو التكرار مع مرور الوقت، فبمجرد تغير المساحات المخصصة للشحن، يصبح المصباح غير رائج».
 
لذا من المتوقع أن تتبنى متاجر تجزئة مثل «سي بي 2» و«إم 2 إل» نهجا عمليا وإنتاج أثاث لا يحتوي على مساحات للأجهزة التكنولوجية، بل التماشي مع طريقة استخدام الناس لها في المنزل.
 
ويأتي مع مقعد «سين إكس إكس إل»، والذي صممه جيس بابافوين لمونتيس من «إم إل 2» مؤخرا، خيار إلحاق بالمقعد «منضدة لجهاز لوحي» وظهر مرتفع للتمتع بالخصوصية عند الكتابة أو إجراء مكالمات هاتفية.
 
وتنفتح طاولة جهاز الكومبيوتر المحمول «تاكر» من «سي بي 2» لوضع جهاز كومبيوتر محمول أو «آي باد» وتكون منخفضة الارتفاع بحيث يمكن استخدامها أثناء الجلوس على الأريكة.
 
هناك سرير ملحق بطاولة جانبية من «أنديز» وسلك، وهو ما لم يسمع أحد عنه منذ سنوات. ويقول ريان تيرف، مدير التسويق في «سي بي 2»: «ندرك اليوم أن الكثيرين ممن يأوون إلى الفراش يضعون جهاز (آي فون) بجانب أسرّتهم ويكونون بحاجة إلى شحنه».
 
وأشار أندرسون إلى أن الأسلاك لا تزال من أكبر التحديات التي يواجهها المصممون حتى في عصر اللاسلكي، موضحا: «ليس من الجيد رؤية قطعة أثاث جميلة في مساحة جميلة وسط غابة من الأسلاك والكابلات, من الضروري إخفاء مثل تلك الأسلاك».
 
ربما لا يستطيع العاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات أن يخفوا الأسلاك، لكن كما يقول هاري ألين، المصمم في مجال الديكور الداخلي والأثاث، «يختفي العالم المادي شيئا فشيئا» بأوجه مختلفة.
 
يمكنك أن ترى ذلك في المكاتب مثل «ديفيل تيبل»، وهو مكتب من الخشب والزجاج لا يوجد به أي أدراج.
 
وكذلك في أجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة ومنخفضة الإضاءة وأجهزة «آي بود» التي استغنت كليا عن وحدات الترفيه الضخمة.
 
ويعلق ألين: «المثير للاهتمام في ما يتعلق بالتصميم هو تخلص أجهزة الكومبيوتر من أشياء كثيرة.
 
لست بحاجة إلى منبه لأنه في هاتفك، وكذلك لا حاجة لك بمساحات لتخزين الملفات، فهي على هاتفك. لم يعد هناك حاجة إلى الكثير من الأشياء التي كانت تشغل حيزا كبيرا في الماضي».
 
صمم ألين مؤخرا ديكور شقتين لسيدتين في العشرينات من العمر، ويتذكر أنه سأل نفسه: «ما الأشياء التي يمكنها ملء هذا الفراغ؟»، لكنه في النهاية قرر عدم شغل الحيز، مقتنعا أنها ستشغل بعد ذلك بالتحف والأعمال الفنية».
 
ويحاول المصمم كريم راشد جاهدا منذ سنوات من أجل تحقيق هذه الفكرة، فقبل فترة طويلة من إعلان «إيكيا» عن زيادة عمق مكتبة بيلي لاستخدام الكثيرين لها في وضع كل الأشياء في ما عدا الكتب.
 
تخلى راشد عن كل المكتبات في منزله وكذلك عن كتبه وأسطواناته المدمجة والـ«دي في دي» في إطار محاولته التخلص من الشكل المادي للأشياء.
 
يتخيل راشد عالما به قطع أثاث «تعبر عن التكنولوجيا أو تشعر بها»، ويرى أن اختراعات مثل حشية تتفاعل مع درجة الحرارة وسماعات صغيرة مدمجة في المقاعد وورق حائط مطعم بكريستال سائل يحولها إلى شاشة تلفزيون عملاقة ستكون متاحة في المستقبل القريب.
 
وقال: «إن هذا أفضل مثال على التخلص من الشكل المادي للأشياء».
 
وأضاف: «من المذهل أن تظل هناك بعض الأشياء. يبدو أن الرقعة الخاصة للإنسان هي آخر ما يتغير».
 
ويرى الكثير من المصممين أن تقييم راشد دقيق إلى حد مخيب للآمال. يقول باربر عندما طلب منه تسمية منتج يمزج بين الأثاث والتكنولوجيا الحديثة: «لا أرى أي منتج بهذه المواصفات».
 
وفي الوقت الذي تجيد فيه صناعة الأثاث استخدام الحليات الصغيرة الجديدة على حد قول يوفس بيهار، مؤسس شركة «فيوز بروجيكت» للتصميم والعلامات التجارية، تسير بخطى متباطئة في التعامل مع ما تشهده حياتنا من تغيرات، خصوصا في ما يتعلق بالحاجات التي تسهل الحياة.
 
وقال بيهار: «يختلف جلوسي على أريكتي من أجل مشاهدة التلفزيون عن الجلوس على الأريكة من أجل الكتابة على لوحة مفاتيح الكومبيوتر.
 
لقد دخلت التكنولوجيا غرف معيشتنا منذ عشرة أو اثني عشر عاما، ولم يحدث أي تغير في الأثاث».
 
ويستدل هنا بالنهج الذي تتبناه شركة «إيكيا» العملاقة في مجال صناعة الأثاث، حيث يقول ماركوس أرفونين، أحد كبار مصممي الشركة، إنه قبل تعديل «إيكيا» لتصميماتها لتعبر عن توجه في التكنولوجيا.
 
يجب أن يكون التوجه راسخا تماما. فالشركة لا ترغب في الاندفاع نحو توجه لا ينجح أو يستمر لسبب أو لآخر. 
 
ويتابع: «نحن لا نقدم حلولا محدودة لمجموعة صغيرة من العملاء، بل لسوق واسعة.
 
فشركة (إيكيا) بدأت استخدام تقنية اللاسلكي في مقرها في السويد منذ ثلاث سنوات فقط».
 
ففي العالم المثالي تدخل التكنولوجيا إلى المنازل بطريقة أكثر «سحرا»، وتغزو عالم الأثاث من خلال نظام يقوم على سهولة الفك والتركيب على حد قول بيهار: «يمكنك تعديل الأريكة بطريقة تجعلها تتناسب مع الوسائل التكنولوجية الحديثة».
 
وإلى أن يحدث هذا، قد يرغب بيهار وآخرون في الاطلاع على «ألارم دوك» من تصميم جوناث دامون لـ«أرياوير».
 
إنها أكثر من مجرد كتلة من خشب الزان، تتوفر على جزء يحول جهاز «آي فون» إلى منبه بجانب السرير. إنه بسيط ويبدو تقليديا، لكنه يقر بحقيقة جديدة، ألا وهي أن الأجهزة في حد ذاتها أصبحت جزءا لا يتجزأ من الأثاث.