النظام الغذائي المشبع بالصوديوم .. يهدد الجميع

تناول كميات أكبر من البوتاسيوم يجنب أضرار الوجبات الجاهزة
تناول كميات أكبر من البوتاسيوم يجنب أضرار الوجبات الجاهزة

ربما تعتقد أنك لست بحاجة إلى القلق بشأن الملح؛ فأنت لا تعاني من مرض ارتفاع ضغط الدم، ولا تعاني من السمنة، وربما تمارس الرياضة بانتظام.
حسنا .. عليك التفكير مرة أخرى، فقد أجريت دراسة كبرى تعتمد على بيانات من أكثر من 12 ألف بالغ أميركي، بهدف دراسة العوامل المرتبطة بخطر التعرض للموت بأمراض القلب.
ووجد الباحثون أنه على الرغم من أن النظام الغذائي الغني بالأملاح - الذي يعتمد على ملح الطعام - يعزز من فرص الإصابة بتلك الأمراض، فإن الأمر الأكثر أهمية هو النسبة بين الصوديوم (الضار) والبوتاسيوم (الذي يقوم بحماية الجسم) في النظام الغذائي للفرد.
الصوديوم والبوتاسيوم
وعندما عقد الباحثون مقارنة بين الأشخاص الذين يتناولون وجبات تحتوي على قدر أقل من الملح مقارنة بالبوتاسيوم، والأشخاص الذين تحتوي وجباتهم على نسبة عالية من الصوديوم مقارنة بالبوتاسيوم، كانت الشريحة الأخيرة أكثر تعرضا بنسبة 50 في المائة للوفاة لأسباب مختلفة وأكثر تعرضا بمعدل الضعف للوفاة بأمراض القلب التاجية خلال فترة متابعة تقدر في المتوسط بنحو 14.8 سنة.
وعلى الرغم من أنه كان هناك جدل دائم حول أهمية الحد من الملح في الوجبات الغذائية، فليس هناك شك في أن ارتفاع مستوى الصوديوم في النظام الغذائي يرفع ضغط الدم ويرفع معدلات الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم المزمن من خلال تصلب الشرايين وعرقلة أكسيد النتريك الذي يعمل على إرخاء الشرايين. وبدوره، يسهم ارتفاع ضغط الدم في فرص الإصابة بأمراض القلب والجلطة، وهما من الأسباب الرئيسية للوفاة.
ومن جهة أخرى، يعمل البوتاسيوم على تنشيط أكسيد النتريك، ومن ثم يقلل الضغط في الشرايين ويقلل فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
وتقول الدكتورة إلينا كوكلينا، الأخصائية في علم الأوبئة الغذائية في «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» ومعدة الدراسة التي تم نشرها العام الماضي في دورية «أرشيف الطب الباطني»: «لقد فحصنا كافة عوامل الخطر الكبرى المتعلقة بأوعية القلب ووجدنا علاقة بين النسبة بين الصوديوم والبوتاسيوم والوفاة بأمراض القلب، حيث إن خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم يزيد مع التقدم في السن. ويمثل خطر الإصابة في بلادنا نحو 90 في المائة. فإذا عشت طويلا، ستتعرض لخطر الإصابة».
وذكر تقرير أصدره «معهد الدواء» حول الصوديوم خلال العام الماضي أنه «ليس هناك من هو محصن ضد الآثار السلبية للإفراط في تناول الصوديوم».
غذاء مشبع بالملح
يأتي نحو 90 في المائة من الصوديوم في النظام الغذائي الأميركي من الملح، الذي يأتي ثلاثة أرباعه من الأطعمة الجاهزة أو الوجبات التي تقدم في المطاعم. ولا يسهم الملح المستخدم في الوجبات المعدة منزليا، الذي يضاف على طاولات الطعام إلا بنسبة ضئيلة في جرعة الصوديوم.
إن حاجة الجسم من الصوديوم منخفضة للغاية - نحو 220 ملليغراما فقط يوميا - ولكن الفرد العادي الأميركي يستهلك ما يزيد على 3400 ملليغرام يوميا. ويوصي الدليل الغذائي الحالي للأميركيين بأن لا يتناول الفرد ما يزيد على 2300 ملليغرام (نحو ملعقة صغيرة) يوميا للأشخاص فوق الثانية من عمرهم، أو نحو 1500 ملليغرام فقط يوميا بالنسبة لـ70 في المائة من البالغين المعرضين لخطر الإصابة بالأمراض المتعلقة بالصوديوم: الأشخاص فوق الخمسين، وكل الأفريقيين - الأميركيين، وكل من يعاني من ارتفاع ضغط الدم، والمصابون بأمراض السكري أو أمراض الكلى المزمنة.
وعلى الرغم من الجهود الهائلة لحث الناس على استهلاك صوديوم أقل، تزايد استهلاك ذلك العنصر الغذائي منذ السبعينات نظرا لارتفاع معدل استهلاك الأطعمة الجاهزة، التي تعتمد إلى حد كبير على الملح كوسيلة رخيصة لتعزيز النكهة والملمس وحفظ الطعام. ونظرا لأن إدارة الغذاء والدواء صنفت الملح باعتباره «آمنا بشكل عام»، فإنه لا توجد قيود على النسبة التي يستطيع المنتج استخدامها في الطعام الذي يقدمه.
ولكي تزيد الأمور سوءا، فإن قدر الصوديوم لا يزيد فقط بنسبة كبيرة جدا عند تصنيع خضراوات مثل الطماطم والبطاطس ولكن البوتاسيوم الطبيعي فيها ينخفض بنسبة كبيرة جدا مما يزيد الضرر بالنسبة بين الصوديوم والبوتاسيوم.
إن الاستهلاك المفرط للملح في الأطعمة المعدة خارج المنزل جعل الأميركيين يفضلون المذاق المالح، وهو الميل الذي يمكن تغييره من دون خسارة المستهلك إذا ما تم تدريجيا، وفقا للدكتور توماس إيه فيرلي، مفوض وزارة الصحة والرعاية الذهنية في مدينة نيويورك، الذي تقود إدارته جهودا محلية بدأت منذ عام 2008 لحث منتجي الوجبات الجاهزة والمطاعم على التقليل التدريجي للملح في منتجاتهم. حتى الآن، تعهدت 28 شركة طعام غذائية، ومطعم، وسوبر ماركت، بما في ذلك «كرافت»، و«سابواي»، و«تارغيت» و«دلهيز» بالحد من الصوديوم في منتجاتها بنسبة 25 في المائة بحلول 2014.
ولكن الدكتورة جين هيني، رئيس اللجنة التي أصدرت تقرير معهد الطب تقول إن تلك الجهود ما زالت تطوعية، وأنه لكي تتمكن تلك المبادرة من تحقيق تغير حقيقي على مستوى البلاد، تحتاج الحكومة أن تمارس ضغوطا متزايدة، فيقول التقرير: «ما نحتاجه هو جهود تعاونية لتقليل الصوديوم في الطعام من قبل المطاعم والمصنعين، وهو ما سوف يخلق مجالا جديدا لصناعة الطعام».
وتضيف الدكتورة هيني، الأخصائية في الصحة العامة بكلية الطب في جامعة كنكناتي إنه الوقت الملائم لتغيير تصنيف «آمن بشكل عام» للملح نظرا لأنه لم يعد من الممكن اعتباره آمنا وفقا للشروط الحالية للاستخدام، حيث يسمح ذلك التغيير لإدارة الطعام والدواء أن تضع قيودا على مقدار الملح الذي يمكن استخدامه تجاريا في إعداد الأنواع المختلفة من الطعام.
وقد ذكر التقرير أن «الخفض العام لاستهلاك الصوديوم يمكن أن يمنع أكثر من 100 ألف حالة وفاة سنويا».
يمكن تحقيق ذلك إذا كانت هناك إرادة، فطوال عقود من الجهود التطوعية والتنظيمات، تمكنت فنلندا من تخفيض استهلاك الصوديوم بنسبة الثلث، وهو ما أسفر عن خفض في نسب الإصابة بأمراض الضغط المزمنة والوفاة المبكرة نتاج الجلطة وأمراض القلب التاجية.
توصيات عامة
من جهتها، توصي الدكتورة كوكلينا بتناول عدد أقل من الأطعمة الجاهزة، وبخاصة اللحوم الجاهزة والمزيد من الفواكه والخضراوات الطازجة ومنتجات الألبان منخفضة الصوديوم مثل الزبادي واللبن، وزيادة جرعة البوتاسيوم ليس عبر تناول المكملات الغذائية ولكن من خلال تناول المزيد من الموز والبرتقال والعنب والغريب فروت والتوت الأسود والزبادي والحبوب المجففة والأوراق الخضراء والبطاطس والبطاطا.
وتقترح أن تطلب من المطعم الطعام الذي يعد من دون إضافة الملح، والخضراوات التي تم طهيها على البخار، كما يجب أن تطلب دائما أن يتم تقديم الصلصات خارج الأطباق، مما يمكنك من استخدام قدر أقل مما يضعه الطاهي على الطبق.
كما يمكنك النظر في اقتسام الطبق مع شخص آخر لتقليل نسبة الصوديوم إلى النصف، وإذا ما تم تقديم الطبق لك وهو مالح للغاية أعده للطاهي واطلب طبقا يحتوي على ملح أقل. وحاول تجنب المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة لأن الوجبة الواحدة يمكن أن تحتوي على مقدار الملح الذي يمكنك تناوله في اليوم بأكمله.
وعند التسوق، يقول الدكتور فيرلي: «اقرأ الملصقات على العبوات وقارن بين المنتجات واختر المنتجات الأقل في نسبة من الصوديوم». كما يقر فيرلي بأن المنتجات المكتوب عليها «منخفضة الصوديوم» أو «من دون صوديوم» يمكنها أن تنفر المستهلكين الذين يعتقدون أنها ستكون بلا مذاق. ولكنك بإمكانك دائما إضافة قدر معقول من الملح لتلك الأطباق.
كما تقترح أيضا أن يطلب من شركات الطعام استخدام قدر أقل من الملح في المنتجات المفضلة ودعم الجهود الحكومية في تقليل استهلاك الصوديوم من خلال التعليق على الاقتراح الذي تم نشره في 15 سبتمبر  في السجل الفيدرالي.