بدأ تأنيث محلات بيع الملابس والمستلزمات النسائية في السعودية

بوادر تفاؤل كبيرة بدت واضحة بشكل جلي في الأوساط النسائية السعودية إثر تطبيق قرار تأنيث محلات بيع الملابس والمستلزمات النسائية الذي بدأ يوم الخميس الماضي من خلال نزول فرق مراقبة ميدانية تابعة لوزارة العمل والتي حملت على عاتقها التأكد من إلزام المحلات بذلك القرار.
 
وكانت السعودية قد ألزمت في شهر يوليو (تموز) الماضي، رسميا، جميع محال بيع المستلزمات النسائية (الملابس الداخلية، وأدوات التجميل) بتشغيل النساء، وإحلالهن مكان العمالة الوافدة، حيث توعدت الوزارة غير الملتزمين بتطبيق القرار في مدة أقصاها 6 أشهر بوقف خدماتها عن تلك المنشآت بشكل نهائي، وينص القرار على توظيف السعوديات وبناتهن من آباء غير سعوديين. 
 
وكشف آنذاك المهندس عادل فقيه، وزير العمل السعودي، وجود الكثير من طلبات السيدات لدى وزارة العمل والراغبات في العمل بتلك المحال والتي فاقت أعدادهن الأرقام المطلوبة، وذلك من واقع الإحصاءات التي سجلها برنامج «حافز» عن الباحثات عن العمل، مشيرا إلى عدم وضع حد أدنى للأجور. 
 
وأوضح أن من حق أصحاب العمل نقل خدمات العاملين من الرجال في محلات المستلزمات النسائية إلى الأعمال الأخرى، التابعة للمنشأة بعيدا عن تلك المحلات.
 
وقال: «إن الهدف من القرار ليس طرد العامل الوافد، أو حل مشكلة البطالة أو عمل المرأة بشكل عام، إنما هو حل لمشكلة اجتماعية واقتصادية استمرت لفترة طويلة، والمتضمنة بيع الرجال الأجانب الملابس الداخلية لنسائنا وبناتنا، وفي الوقت ذاته أوجدنا فرص عمل للمرأة». 
 
وفي المقابل، قابل بعض أصحاب المحلات تطبيق هذا القرار بشيء من الـ «التذمر» الذي جعلهم يمتنعون عن تنفيذه، مبررين ذلك بعدم تحمّل الموظفات لضغط العمل، الأمر الذي دفع بهم إلى توظيف الشباب لحين الحصول على حلول بديلة، في حين ازدادت روح التحدي في نفوس البائعات لإثبات صورة مغايرة عن تلك التي وصفنها بـ «الاتهامات». 
 
وتقول ازدهار عبد العزيز: «نتيجة خبرتي في بيع الملابس النسائية منذ نحو ثلاث سنوات خلال عملي داخل أحد المحلات المغلقة، أقوم حاليا بمهمة تدريب البائعات الجدد داخل محل مفتوح، ومن ثم رفع تقرير بشأنهن لتحديد إمكانية استمرارهن من عدمه»، مؤكدة أن مستويات البائعات أكثر من رائع في ظل حماسهن الشديد لخوض مضمار البيع والشراء. 
 
وأشارت أمجاد ألطاف التي تعمل في أحد محلات بيع الملابس الداخلية إلى أن قرار تأنيث محال بيع الملابس والمستلزمات النسائية من شأنه أن يوفر عددا كبيرا من الوظائف للخريجات والعاطلات عن العمل. 
 
وقالت في اتصال هاتفي: «إن وجود بائعات في هذه المحلات يسهم كثيرا في راحة العميلات اللاتي قد يجدن حرجا في التحدث إلى الرجال بشأن ما يخصهن من مستلزمات، خاصة فيما يتعلق بالإجابة عن استفساراتهن حول الكثير من الأمور التي لا يمكن للرجل الإجابة عليها». 
 
وقالت بيان جابر، إحدى الموظفات أيضا، إن صاحب المحل غالبا ما يظهر استياءه من وجود موظفات، مضيفة: «دائما ما يردد صاحب المحل على مسامعنا أن مشاكل البنات كثيرة ومطالبهن كثيرة ولو القرار بيدي لما وظفتهن»، وأضافت أن أصحاب المحلات يرفضون الاستماع لمطالبنا أو حتى مناقشتنا. 
 
وحول مطالباتهن قالت بيان أتمنى أن يتحملنا أصحاب المحلات ويعطونا فرصة لنثبت أنفسنا ونتعلم، فنحن لأول مرة ننزل إلى سوق العمل، ونريد أن يوفروا لنا أماكن للاستراحة لأننا نعمل فترة متواصلة منذ الساعة العاشرة وحتى السادسة مساء، كما أننا نطالب بوجود دورات مياه داخل المحلات وغرف قياس للزبائن. 
 
كما طالبت الموظفات بإخضاعهن لدورات تدريبية بين فترة وأخرى لأن أغلبهن تم إرسالهن لسوق العمل دون تدريب، الأمر الذي سبب لهن مشاكل كثيرة. 
 
آراء السيدات حول قرار تأنيث محلات الملابس والمستلزمات النسائية جاءت متباينة، ففي الوقت الذي أبدت الكثير منهن ارتياحهن للقرار، وجدت أخريات أنه غير مجد، حيث علقت وفاء التركي قائلة: «للأسف لا أفهم السبب الرئيسي وراء تأنيث محلات بيع الملابس النسائية، فالمحلات مفتوحة ويمكن للرجل أن يدخل ويشتري من المرأة، أي أنه سيكون زبون المرأة من الرجال أيضا، فماذا فعلت وزارة العمل؟!»، وأضافت: «أتمنى أن تراجع الوزارة هذا القرار ولا تجعل المحل مفتوحا أمام الزبائن بل تخصصه للنساء». 
 
بينما قالت جواهر قبّاني، إحدى المتسوقات: «كان من المفترض تطبيق ذلك القرار منذ زمن، فنحن نشعر بالحرج الشديد جراء التعامل مع الرجال، خاصة حينما نجدهم متمكنين من تحديد مقاساتنا بمجرد النظر إلينا»، مطالبة الجهات المعنية بضرورة البدء في تطبيق عقوبات على أصحاب المحلات الذين يمتنعون عن تنفيذ القرار، والوقوف أمام التوظيف الوهمي للبائعات أيضا. 
 
وزير العمل السعودي، كان قد حذر المنشآت التي تقوم بتسجيل العاملات عن بعد، في وظائف وهمية، بحرمانها من الحصول على تأشيرات عمل جديدة، أو نقل خدمات عمال لها، أو تغيير مهنهم وحرمانها من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية، لمدة لا تقل عن 3 سنوات للمخالفة الأولى، و5 سنوات للمخالفة الثانية. 
 
كما أكد على فرض غرامة مالية لا تتجاوز 5 آلاف ريال على كل موظفة وهمية مسجلة لدى المنشأة، طبقا للمادة 239 من نظام العمل، وفي حال قيام امرأة ما بالتعاون مع المنشأة بالتسجيل في وظيفة وهمية، فإنه يتم حرمانها من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية لمدة لا تقل عن 3 سنوات للمخالفة الأولى و5 سنوات للمخالفة الثانية. 
 
عدد من الموظفات كانت لديهن وجهة نظر مختلفة بشأن تطبيق قرار تأنيث محلات الملابس والمستلزمات النسائية، إذ أفادت نجوان مسعد خلال حديثها لـ «الشرق الأوسط» بأنه وعلى الرغم من صحة ذلك القرار، غير أن آلية تنفيذه حتى الآن تعد خاطئة في ظل عدم تحديد السن المسموح له بالعمل في هذا المجال، مضيفة: «يجب الابتعاد عن توظيف فئة الـ (مراهقات) باعتبارهن سيتسببن في الكثير من الإشكاليات التي من شأنها أن تؤثر علينا ككل». 
 
نحو 90 في المائة من المستثمرين في قطاع الملابس، باتوا يواجهون أزمة حقيقية بعد التطورات الجديدة التي أطلت عقب القرار، حيث ذكر متعاملون أن المشاريع تعمل بطرق غير نظامية في معظمها، وهو ما يعرف بـ «التستر التجاري»، مما يجعلهم أمام خيارين، إما توظيف سعودية كبائعة وإما الإعداد لتكتلات بين المستثمرين بهدف جمع رأسمال قدره 30 مليون ريال للسماح لهم بالدخول كمستثمرين نظاميين في نظام الاستثمار الأجنبي لتأسيس شركة. 
 
ويشرع عدد من رجال الأعمال الوافدين الذين يعملون بنظام التستر، في الإعداد لتأسيس شركات بين شركاء في مجال الملابس، وتنظيم نشاطهم التجاري بطرق نظامية، حيث تشترط هيئة الاستثمار الأجنبي أن يكون رأس المال للنشاط التجاري 30 مليون ريال، بهدف توفير المبالغ التي يمنحونها لسعوديين سمحوا بالعمل بأسمائهم التجارية ودفعها كمرتبات للعاملات السعوديات لضمان الاستمرار في الوجود بالمملكة. 
 
وكانت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني قد أعلنت عن استعدادها لتدريب 989 متقدمة من قبل 6 مناطق سعودية منها الرياض وجدة والمنطقة الشرقية والقصيم، لخوض مجال البيع في المحلات النسائية عقب انتهاء البرنامج التدريبي الذي قام عليه صندوق تنمية الموارد البشرية ضمن تعاقدات مع القطاع الخاص وإشراف مباشر من قبل مؤسسة التدريب المهني عقب خضوعهن لمقابلات شخصية مع 10 شركات توظيف معتمدة. 
 
الغرفة التجارية الصناعية بجدة، كانت قد أنهت تصويتا جماعيا عبر «فيس بوك»، لاختيار تصميم خاص لعباءة مخصصة ترتديها العاملة داخل المحلات النسائية، وقد روعي في ذلك التصميم شكلها وسهولة الحركة والحشمة حسب العادات والتقاليد السعودية. 
 
كما رفعت لجنة الملابس التابعة لغرفة جدة بمقترحات تتضمن برنامجا زمنيا لتأنيث محلات الملابس بمختلف النشاطات، إذ أوضح في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» محمد سلطان علي الشهري رئيس اللجنة، أن البرنامج أطلق عليه اسم «كساء»، وهو يتمثل في برنامج وطني أعد من قبل خبراء ومتعاملين في بيع المحلات النسائية والموارد البشرية، لافتا إلى أنه قد رفع لوزارة العمل بهدف اعتماده. 
 
واستطرد في القول: «يهدف ذلك البرنامج بالدرجة الأولى إلى تأهيل وتوظيف الفتيات بطرق تضمن نجاح التوطين من دون أن يتسبب في خسائر للشركات، خاصة خلال مراحله الأولى من التطبيق». 
 
وأشار آنذاك رئيس لجنة الأقمشة والملابس في الغرفة التجارية الصناعية إلى أن قرار خادم الحرمين الشريفين المتعلق بسرعة توظيف وإيجاد فرص وظيفية للفتيات العاطلات عن العمل لتوطينهن بدلا من العمالة الوافدة، يعد بمثابة بطاقة الدخول جديا في تنفيذ قرار التوطين بعد أن توقف صاحبه في سنوات سابقة من قبل بعض الجهات ذات العلاقة. 
 
من جهته، أكد حميد دياب مدير مبيعات الشرق الأوسط في شركة «نعومي لبيع الملابس النسائية»، على وجود مميزات كثيرة تمتلكها البائعات النساء مقارنة بأمثالهن من الرجال فيما يتعلق بمجال بيع المستلزمات النسائية.
 
وقال: «تتميز البائعة عن الرجل البائع في كونها أقدر على فهم طبيعة المنتج باعتبارها مستخدمة له، إلى جانب قدرتها على شرح مميزات المنتج للزبونة، وإمكانية إجابتها على استفسارات واحتياجات المشتريات بشكل أكبر من الرجل». 
 
وذكر أن برامج التدريب تتضمن برنامج للمتقدمة بحيث تصبح موظفة مبتدئة، والذي يتمثل في تدريبها لمدة أسبوعين، إضافة إلى برنامج آخر يمكّنها من أن تصبح موظفة مبيعات كونه يمتد إلى 3 أشهر. 
 
وزاد: «ثمة برنامج تدريب آخر يسمى بـ(الشامل) والذي يمتد إلى ما يقارب 9 أشهر، فضلا عن برنامج يمكّن الموظفة من شغل منصب مشرفة معرض حيث يستغرق نحو عام كامل، إلا أن التدريب بشكل عام غير منته، وإنما مستمر نتيجة المستجدات التي تطرأ على السوق من ضمنها تدشين منتجات جديدة لدى الشركة». 
 
وفيما يتعلق برواتب البائعات، أبان مدير مبيعات الشرق الأوسط في شركة «نعومي»، أنها تبلغ 3.5 ألف ريال سعودي، مضيفا: «هناك إقبال كبير من قبل الفتيات على هذا المجال، إذ قمنا باجتماع مع مجموعة منهن الأسبوع الماضي لمناقشة أبرز العوائق لنفاجأ بعدم وجود أي صعوبات تواجههن». 
 
وأكد في الوقت نفسه على أن بيئة العمل أيضا لها دور مهم في تقبّل الفتيات للعمل فيها حتى ولو لساعات طويلة، مبينا أن الشركة تقوم بتطبيق نظام حوافز مادية ومعنوية من شأنها أن تساعد البائعات على تجاوز أي عوائق وصعوبات بهدف الإبداع والتألق. 
 
تجدر الإشارة إلى أن هناك مقترحا جديدا ينتظر رفعه لعدد من الجهات الحكومية والذي يهدف إلى تحفيز السعوديات للعمل كبائعات في المجمعات التجارية، من خلال توحيد عمل الأسواق والمولات التجارية لفترة واحدة، تبدأ من الساعة 11 صباحا وتنتهي في الساعة 9 مساء، وذلك أسوة بعملها في الدول الأوروبية.
 
ويأتي هذا المقترح من منطلق ضرورة إيجاد فترات عمل مناسبة للمرأة السعودية، بعد أن أكدت دراسة حديثة صادرة من الغرفة التجارية الصناعية بجدة على أن الدوام لفترتين وتأخر خروج السيدات من العمل إلى الساعة 12 ليلا يعد سببا في رفض عائلاتهن لعملهن كبائعات ملابس، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في عدم إيجاد كوادر بشرية عند تطبيق توطين الوظائف بدلا من العمالة الوافدة. 
 
وبحسب توقعات الخبراء، فإن قرار تأنيث محلات المستلزمات النسائية فقط من شأنه أن يوفر نحو 500 ألف وظيفة للمواطنات في تلك المحلات خلال سنتين إلى 3 سنوات مقبلة، وهو ما يدل على أن وجود المرأة السعودية كبائعة في مختلف المجالات داخل المجمعات التجارية سيحرك العجلة الاقتصادية من حيث عدم ذهاب الأموال الاستثمارية للخارج. 
 
يشار إلى أن دراسة ميدانية أعدتها الغرفة التجارية الصناعية في جدة، أثبتت أن نحو 60 في المائة من الراغبات في العمل كان الهدف وراء قبولهن للبيع في محلات المستلزمات النسائية عائدا إلى أسباب ضغوط نفسية بسبب بقائهن كعاطلات في المنازل لسنوات.
 
بينما تنوعت النسب المتبقية المذكورة في الدراسة بين تحسين الوضع المعيشي لأسرهن، وتحقيق عائد مادي، إلى جانب الدخول في شراكات مع أصحاب محلات الملابس وتحقيق مشاريع مستقلة في تصميم وتسويق منتجاتهن. 
 
في حين خلصت دراسة الغرفة التجارية الصناعية في جدة، التي قامت بها مؤخرا، إلى أن دوام البائعات على فترتي عمل وتأخر خروجهن حتى الساعة الـ 12 ليلا هو الذي يدفع أسرهن إلى منعهن من العمل في هذا المجال.