بارمار .. من امرأة «منبوذة» في الهند إلى سيدة أعمال في نيويورك

كاكوبن لالابهي بارمار بدأت رحلتها الطويلة من قرية مادهوترا الهندية لتنتهي في شارع 42 في نيويورك ورحلتها تجسد نصف قرن من الدعوة إلى المساواة بين الجنسين
كاكوبن لالابهي بارمار بدأت رحلتها الطويلة من قرية مادهوترا الهندية لتنتهي في شارع 42 في نيويورك ورحلتها تجسد نصف قرن من الدعوة إلى المساواة بين الجنسين

قطع عدد كبير من الأشخاص الذين تبادلوا العناق في ميدان تايمز الأحد الماضي مسافة طويلة من أجل الوصول إلى نيويورك، لكن يمكن القول إن قليلا جدا منهم قطع مسافة مثل تلك التي قطعتها كاكوبن لالابهي بارمار.


ولا يرتبط الأمر بطول المسافة وحسب، على الرغم من أنها رحلة طويلة بدأت من قرية مادهوترا، وهي قرية ريفية داخل ولاية غوجارات غرب الهند، لتصل إلى الشارع الثاني والأربعين.

ومن الناحية العملية، كانت رحلة بارمار تتطلب عددا من وسائل النقل غير المعتادة، ومن بينها عربة يجرها ثور وعجلة ثلاثية وسطح سيارة جيب وحافلة مفتوحة، من أجل الوصول إلى مطار قبل ركوب وسيلة مواصلات نادرا ما كانت تراها من قرب، ناهيك عن اعتلائها.

وعلى مستوى ثقافي أكثر عمقا، نجد أن رحلتها أكثر غرابة وروعة، وتجسد نصف قرن من الدعوة إلى المساواة بين الجنسين، والمنحى المتطور داخل الهند الحديثة.

وداخل مجتمع يعتمد على رعي الماشية، تنتمي بارمار إلى واحدة من المجموعات التي يصنفها الدستور الهندي على أنها «فئة مضطهدة»، وهن نساء مقيدات عرفا داخل القرى أو المناطق بل والمنازل التي يعشن فيها.

وتقول بارمار (50 عاما) «كان يتم التعامل مع فئتي على أنهم منبوذون»، وإذا كانت الطائفة منبوذة، فإن ذلك يعني أن النساء منبوذات بدرجة أكبر.

وتزوجت بارما في الرابعة عشرة، وهي أم لسبعة أولاد. وعندما وصلت إلى مرحلة البلوغ، لم تكن بارمار قد قابلت رجلا وجها لوجه خارج نطاق الأقارب.

لكنها كانت هنا داخل ميدتاون مانهاتن في عطلة الأسبوع الماضي، وحولها غرباء يتجمعون بصورة منتظمة هناك من أجل إبداء الإعجاب، وكان البعض منهم يشعر بالدهشة لشكل التنورة والشال والوشم المرسوم على رقبتها ويديهما وذراعيها، ويمثل هذا الوشم شكلا مما تصفه بارمار بـ«زينة يمكن تحمل تكلفتها» في أقاصي غوجارات.

وكانت هنا أيضا كسيدة أعمال تبدأ متجرا داخل الجمعية الآسيوية، حيث تجمع عدد من الفنانين لثلاثة أيام لبيع أدواتهم؛ وداخل «سي في إس» لتشتري عرض شامبو مخفضا، وأدوات تزين شعر لبناتها الخمس؛ وداخل «متحف متروبوليتان للفنون» في صباح الأحد، وهي توضح كيف أن آنية الطهي التي تعود إلى الأسرة الثانية عشرة داخل مصر (نحو 1800 عام قبل الميلاد) تشبه بالضبط الآنية التي تستخدمها من أجل طهي الدال (العدس) في المنزل.

لم يبد أنها تشعر بالقلق، بل إنها كانت تتعامل بهدوء مع سمات الحياة الحضرية، مثل حزام الأمان في المقاعد والأفلام التي تعرض على الطائرات والمصاعد والسلم المتحرك، وسيارات الأجرة، ونمط الحياة الذي يمكن أن يبعث القلق لدى أي شخص لا يعرف القراءة والكتابة وتوقعيه هو بصمة الإصبع.

وقالت بإحدى لهجات غوجارات وتولى مترجم فوري عملية الترجمة «لقد مررت بالتغيير الأكبر في حياتي عندما حصلت على فرصة للخروج من منزلي والمشاركة في المجتمع».

وجاءت لحظة تحرير بارمار قبل نحو 20 عاما، عندما كوّن مشروع «سيوا» غير الربحي وحدة داخل قريتها للمساعدة على حماية الصناعات اليدوية المعرضة للمخاطر وتقديم نوع من التوظيف البديل للأفراد الذي يعملون فيها.

وتقول بارمار، التي تحيك أقمشة مطرزة تجمع بين خيوط زاهية وقطع عاكسة تقطع من كسرة المرايا «لم نفكر من قبل في الحصول على دخل من خلال بيع هذه الأشياء».

وربما يكون القماش معروفا حيث إنه من النوع المستخدم في عمل حقائب تعرضها كيانات بارزة خلال صيف العام الحالي مثل «كاميرون دياز» و«نيكول ريتشي».

ويبلغ سعر الحقيبة المدرسية التي تحمل علامة «سيمون كاميل» نحو 2000 دولار، وهو المبلغ الذي يساوي دخل بارمار على مدار عامين.

وقد أصبحت صاحبة الدخل الأكبر داخل الأسرة على الرغم من دخلها الشهري المتواضع الذي يبلغ 60 دولارا شهريا، والذي تتحصل عليه من حياكة أغطية وسائد تتطلب العمل على مدار أسبوع وتبيعها في سوقها المحلية مقابل 15 دولارا للزوج.

ولدى بارمار حساب شخصي لدى اتحاد ائتمان تمويل مصغر، وتشير إلى أنه على الرغم من أن ذلك ربما لا يبدو مهما بالنسبة إلى سكان نيويورك الذين اعتادوا على معالم الثراء الغربية مثل الكهرباء والمياه، فإن ذلك يعد تغييرا كبيرا في الظروف بالنسبة لامرأة من الريف الهندي، حتى في الوقت الحالي.

وقالت بارمار يوم الجمعة «عندما كنت طفلة صغيرة، كانت جميع الأصول ملكا للوالد أو الزوج أو الشقيق»، وبينما كانت تفترش أرضية الرواق الرخامي الضخم بالجمعية الآسيوية، أكدت على طريقتها في قطع كسارة المرايا بأشكال مثل الألماس، وأشكال بيضاوية ومثلثة باستخدام حافة حادة من قطعة قرميد.

ونفذت الكثير من المهام بلا توقف، وتوقفت لتعرض أغطية وسائد على أحد المشترين، وأوضحت الرسوم التي تستخدمها لمشتر آخر، وكل ذلك مع الاحتفاظ بعينها على إجمالي المبيعات ونظارة عينيها على حافة أنفها.

وأوضحت لأحد الزائرين «في تلك الأيام، كان الزوج مسؤولا عن كل شيء، فما الذي يمكن للواحدة أن تقوم به من دون مهارات ولا تعليم؟».

وفي الوقت الحالي تعد بارمار رحالة تجوب البلاد كسفيرة غير رسمية لمشروع «سيوا» ومجلس الحرف الهندية، وهو من بين عدد متزايد من الكيانات المسؤولة عن الحفاظ على أشياء تقليدية داخل الهند، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 40 مليونا إلى 60 مليونا يحصلون على جزء من دخلهم من خلال القيام بأعمال حرفية. وفي النهاية، تجد بارمار نفسها في ظروف لم تكن تتخيلها في يوم من الأيام.

وتسافر بارمار جوا حول العالم وحدها، وتركب سيارات الأجرة وتتسوق داخل «وول غرينز»، وعند زيارة متاحف عالمية مثل «متحف متروبوليتان للفنون» تكتشف الرابط الابتكاري بين أعمالها وقطعة قماش من مالي أو قطعة قماش سودانية لخيمة مطرزة بخرز فيتنامي أو أصداف.

وتظهر بطريقة سهلة وطبيعية أهمية تعليم المرأة، وإخراجها من المنزل إلى سوق العمل. وتقول إنه على ضوء العمل الذي تقوم به في الوقت الحالي، يعكس دورها في الحياة الأسرية الدور الذي لعبته أجيال من النساء جئن قبلها.

وتقول بارمار «لدي مشروع خاص بي، ولدي دخلي الخاص، ويبدي زوجي احترامه لي». وتشير إلى أنه يقدم لها العون في بعض الأحيان. وأضافت ضاحكة «إنه سكرتيري».