قلائد التعويذة .. حب وعلاج وزينة وخوف

أن التطور التكنولوجي والثقافي أعطى المصممين فرصة كبيرة للإبداع والتفنن في تصميمها لكل النساء على اختلاف الأعمار والثقافات
أن التطور التكنولوجي والثقافي أعطى المصممين فرصة كبيرة للإبداع والتفنن في تصميمها لكل النساء على اختلاف الأعمار والثقافات

رغم تنوعها واختلاف تصميماتها عبر تاريخها الطويل الموغل في القدم، تظل التمائم والقلائد انعكاسا لثقافة المرأة واعتقاداتها وتفاؤلها وتشاؤمها وعاطفتها.


عالم التمائم والقلائد، عالم ملفوف بالسحر والغموض والجمال، ورغم أنه عرف عبر التاريخ تطورات كثيرة، إلا انه لم يتغير بالنسبة للمرأة في ما يتضمنه من معان، فقد تكون التميمة رمزا عميقا للحب والإخلاص، أو طمعا في حصانة ومنعة، كما قد تكون ذكرى لحبيب، أو هدية من شخص عزيز، أو دفعا لمكروه يخشى منه، وهلم جرا.

لكن بالرغم من كل شيء، تظل التمائم الهدية الأجمل والأكثر تعبيرا. ولا شك ان رحلة التمائم طريفة، فقد انتقلت من تميمة صغيرة، تمثل الجعران، التي احتفى بها الفراعنة ونقشوها على معابدهم قبل آلاف السنين على أساس أنها تمنح القوة، إلى عالم التصميم، حيث تلقفتها بيوت الأزياء العالمية لتطرحها بأشكال جد مغرية لأنها تتبع خطوط الموضة.

كانت هناك أيضا تميمة توت عنخ آمون الذهبية المزينة بثعبان الكوبرا التي ارتداها الفراعنة لتحدي الأرواح الشريرة. وكانت تميمة السلحفاة ترمز للحكمة والوقاية من السحر الأسود.

في روما القديمة أيضا لعبت التمائم دورا كبيرا، فكان منها ما هو خاص بالأباطرة وما هو خاص بالعبيد، خصوصا مع انتشار تمائم الفضة والزجاج الأبيض والعاج في ذلك العهد.

وكان الفن الإسلامي حاضرا في عالم التمائم والقلادات، حيث انتشرت في العصر الفاطمي تمائم الهلال، وإيران في القرن الرابع عشر الميلادي ازدهرت صناعة قلادة المصحف الشريف المصنوعة من الفضة.

وايطاليا في القرن التاسع عشر انتشرت تمائم الحروف الأولى من الأسماء لتكون رسالة حب من نوع خاص، يربطها البعض بقصة روميو وجولييت الشهيرة.

تبين مصممة الحلي غادة سليمان أن «التمائم» هي الأكثر انتشارا في الأسواق العربية والعالمية، وأن التطور التكنولوجي والثقافي أعطى المصممين فرصة كبيرة للإبداع والتفنن في تصميمها لكل النساء على اختلاف الأعمار والثقافات.

وتضيف سليمان أن تميمة «القلب» هي الأبرز والأكثر مبيعا، بما تحمله من مشاعر الحياة والحب والعاطفة، وبالتالي تمثل أفضل وأنسب هدية، موضحة أنه يمكن الآن وضع بعض اللمسات الشخصية عليها، مثل إضافة الاسم أو تاريخ مهم أو عبارة أو نقش وغيرها.

وترى سليمان أن المرأة العربية خاصة المحجبات منهن، يفضلن قلادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، والتمائم التي تحوي آية قرآنية أو رسما للكعبة، مبتعدات عن الصور الآدمية والحيوانات.

وترى مصممة الحلي عزة فهمي، أن الموروث الشعبي يؤثر في اختيار المرأة لتميمتها، إذ إن هذا التراث في مصر مثلا، تجمعت فيه ثقافات عدة أهمها الموروث الفرعوني والقبطي والإسلامي والبدوي، وعلى أساس بيئتها وثقافتها، تختار المرأة المصرية تميمتها.

ومن أبرز التمائم التي ترى فهمي أن لها رواجا: الخمسة والخميسة (كف اليد)، الخرطوش الملكي، المصحف، العين، الثعبان، الهلال الإسلامي المأخوذ من مئذنة المسجد، النجمة الإسلامية الموجودة على جدران المساجد، ولفظة «ما شاء الله»، فضلا عن تمائم الأحجار الكريمة التي لها دلالة علاجية مثل حجر الزبرجد الأخضر لزيادة النضارة والشباب، وحجر الفيروز الأزرق لطرد الحسد، موضحة أن بعض النساء يفضلن اقتناء تمائم الأحجار الكريمة التي لها مدلول علاجي حتى وإن لم تشعر بجدوى هذا الحجر في العلاج.

بل وتذهب إلى أبعد من ذلك لتقول إن بعض النساء يرتدين التميمة كعلامة لدرء الحسد وقهر الزمن، رغبة في إطالة العمر.

الدكتور محمد عبد الفتاح، أستاذ علم النفس وعميد معهد الخدمة الاجتماعية بالقاهرة، يتفق أن للمجوهرات لغة خاصة لدى المرأة، وأن التمائم لها علاقة خاصة بعالم النساء في جميع مراحل حياتهن، إذ إن المرأة تعيش من نعومة أظفارها في ارتباط مع التميمة والعقد والخاتم.

وكم من النساء ـ بحسب عبد الفتاح ـ من تحتفظ في زينتها بالعديد من التمائم تتنوع من بين حرف من أسمها، أو برجها، أو ربما تميمة أهدت لها يوم ولادتها تحتفظ بها على مر الأيام تكبر معها حاملة عبق الطفولة الجميلة، فالعين والكف من ابرز هدايا المولود لدى العرب.

ويضيف عبد الفتاح أن التمائم عندما تعلق على الصدر تعبر بشكل واضح عن شخصية صاحبتها، فبعض النساء اللائي يتميزن بقوة الشخصية والتحدي يفضلن دوما ـ وفقا لعبد الفتاح ـ ارتداء التمائم التي تثير الغموض والحيرة، بينما تفضل نساء أخريات الاكتفاء بارتداء أبسط الأشكال، حتى أن بعضهن يفضل إخفاءها تحت الملابس، خشية من أن يسأل أحد عن سبب ارتدائها أو عن فحوى التميمة وما تمثله في ثقافتها.

ويضيف عبد الفتاح أن نساء بعض المجتمعات العربية يرين في التميمة قوة روحانية لا يستهان بها، بل وتصاب بعضهن بالذعر حين فقدانها او نسيانها في مكان ما، لأنهن يعتبرنها أداة لدفع البلاء وجلب الخير، خاصة عندما تكون التميمة أو القلادة آية قرآنية أو دعاء أو لفظ الجلالة.

من جانبها، لا تخجل الفنانة شيرين سيف النصر من الاعتراف بأنها ترتدي دائما قلادة «العين الزرقاء»، كونها تخشى الحسد وعيون الآخرين، لأن الحسد بحسب قولها «مذكور في القرآن».