أطلالة على معرض سحر الموضة الإيطالية بين عامي 1945-2014

موضة الخمسينات، فخامة ورومانسية تتحدى زمنها أطلقها كريستيان ديور في عام 1947، مضادة للتقشف وتبناها معظم المصممين هذا الموسم.
 
في الشهر الماضي، أسدل الستار على معرض "سحر الموضة الإيطالية: 1945-2014" في متحف "فيكتوريا آند ألبرت" بلندن، سلط المعرض الضوء على الموضة الإيطالية من الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، وكان لحقبة الخمسينات فيه حصة الأسد، فهذه الحقبة كانت مفعمة بالرومانسية، كما أنها شكلت شخصية الموضة كما نعرفها اليوم. 
 
حتى قبل أن ينتهي هذا المعرض بأشهر، سارعت باريس بافتتاح معرض لا يقل أهمية، في "باليه غاليريا" بعنوان "الخمسينات من 1947 إلى 1957" سيمتد إلى بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
 
والعارف لتاريخ الموضة لا بد أن يربط هذا التاريخ بالسيد كريستيان ديور، الذي قدم أول تشكيلة له في عام 1947 بمجموعة أطلقت عليها رئيسة تحرير مجلة "هاربرز بازار»" آنذاك "ذي نيو لوك" ووفاته المفاجئة في عام 1957. 
 
لم يفت هذا الربط مصممي الأزياء، وإن كان الأمر لا يتعدى كونه مجرد توارد أفكار بحكم أنهم يفكرون في تشكيلاتهم ويرسمون خطوطها قبل طرحها بعدة أشهر، فقد حفلت عروض الأزياء الأخيرة بالأسلوب الذي أرساه كريستيان ديور، محددا به موضة القرنين العشرين والحادي والعشرين.
 
ما لا ينكره أحد أن هذا الرجل الذي كان يحلم بأن يكون مهندسا ثم رساما، يعود له الفضل في تشكيل موضة الخمسينات وكتابة فصل جديد من الأناقة التي تفوح طياتها بالرومانسية، فضلا عن أنوثة مفعمة لا تبخل على المرأة بشيء، بدءا من أمتار طويلة من الأقمشة أو بالألوان أو الورود. 
 
على منصات العروض رأينا الكثير من التنورات المستديرة وأخرى أقل درامية ومستقيمة، لكن كلها بخصور مشدودة تبرز نحول هذا الجزء من الجسم، بالإضافة إلى طبعات الورود المتنوعة، مع أحذية من دون كعوب أو بكعوب منخفضة، مما لا يترك أدنى شك بأن "ذي نيو لوك" الذي أطلقه ديور في عام 1947 عاد مرة أخرى، وأعاد معه أنوثة بطعم عصري لـ"لادولتشي فيتا".
 
قد يكون مجرد صدفة تزامن هذا التوجه مع افتتاح معرض "الخمسينات من 1947 إلى 1957" في "باليه غاليريا" الباريسي، لكنه حتما يحكي ألف قصة وقصة من خلال فساتين بتصاميم متنوعة تؤرخ لهذه الحقبة وتأثيراتها على حياة المرأة في كل أنحاء العالم، مع أن المعرض الذي سيمتد إلى بداية شهر نوفمبر المقبل يسلط الضوء على هذه الموضة في فرنسا تحديدا، من خلال مجموعة متنوعة من الأزياء والرسومات والتغطيات في مجلات، مثل "إيل" و"باريس ماتش" وغيرهما.
 
استطاع أمين المعرض أوليفييه سايارد أن يجمع الكثير من الفساتين الفخمة للسهرة وأخرى للنهار، مطبوعة بأسلوب السيد كريستيان ديور، بعضها من تصميمه وبعضها الآخر لمصممين تأثروا به، أو كانوا أبناء عصرهم، من أمثال جاك فاث، كريستوبال بالانسياجا، مدام غري، وغيرهم.
 
ما سيكتشفه الزائر إلى المعرض أن كريستوبال بالنسياجا كان يتمتع بعدة وجوه، فهو لا يتميز بأسلوب مهندس أو نحات فحسب، بل قدم تصاميم تتراقص فيها التنورات وتدور وكأنها مراوح هوائية مع كل حركة بفضل استعماله السخي للأقمشة بتقنيات مبتكرة، فضلا عن تنورات مستقيمة لكن منفوخة حول الخصر مع جاكيتات بأشكال مستديرة. 
 
في الفترة نفسها، بدأت بذور التغيير تظهر، مع الشاب إيف سان لوران الذي خلف كريستيان ديور إثر موته المفاجئ في عام 1957 ليبدأ تشكيل موضة الستينات من خلال فساتين قصيرة تبتعد عن الخصر ولا تلمسه، استنكرها عشاق الأسلوب الخمسيني لكن عانقتها المرأة الشابة التواقة للانعتاق والتحرر من كل القيود الاجتماعية والاقتصادية وإملاءات الموضة كما تراها الأمهات والجدات.
 
لكن رغم مرور العقود، وظهور عدة موجات في الستينات والسبعينات، ظل أسلوب الخمسينات حيا، يتأرجح بين القوة والضعف، لكنه لا يتراجع أو يسمح للنسيان بأن يطويه، ودائما، ما إن يشار إليه، حتى يحضر اسم كريستيان ديور، إلى حد أنه يمكن تسميته بالرجل الذي حقق ثورة التنورة المستديرة والخصر النحيل، وفي وقت كانت فيه جراح العالم لم تندمل بعد من آثار الحرب العالمية الثانية وحالة التقشف التي كانت لا تزال مفروضة على الناس. ثم جاء ديور ومحا آثارها من خزانة المرأة، على الأقل، بتمرده على الأشكال القديمة وعلى حالة التقشف باستعماله أمتارا وأمتارا من الأقمشة.
 
باركته المرأة لأنه أعاد إليها أنوثتها، كما أعاد لها خصرها الذي اختفى طوال سنوات الحرب تحت أزياء أقرب إلى الرجالية بخشونتها، إضافة إلى تلك الرومانسية التي افتقدتها من خلال باقات من الورود طبعها على هذه التصاميم، فجأة تغيرت صورة الموضة ومعها صورة المرأة التي تحولت إلى ما يشبه الوردة المتفتحة.
 
في هذه الفترة، بدأت باريس تستعيد قوتها كعاصمة أزياء راقية "هوت كوتير" بعد سنوات عجاف، فيما يمكن تسميته بعصر النهضة، لأن كريستيان ديور كان واحدا فقط من بين عدة أسماء ساهموا في هذه النهضة، نذكر منهم شانيل، جاك فاث، بالنسياجا، بيير بالمان، جيفنشي وغيرهم ممن شكلوا ملامح هذه الفترة.
 
ولأن الأزياء كانت في الخمسينات، خصوصا الـ"هوت كوتير"، إحدى ركائز الاقتصاد الفرنسي، لم يكن غريبا أن تساهم هذه النهضة في انتعاش الاقتصاد، لا سيما بعد معانقة السوق الأميركية لـ"ذي نيو لوك" الذي أطلقه ديور.
 
لم تعانقه كل نساء أميركا عن طواعية، بل روجت له النجمات أيضا بصدر رحب، حيث ارتبط اسم أودري هيبورن بهيبار جيفنشي، وغرايس كيلي بكريستيان ديور، وربما هذا ما يجعل هاتين النجمتين، على اختلاف أسلوبهما، تجسيدا لأناقة الخمسينات، مثلا، لا يمكن ذكر اسم غريس كيلي من دون ذكر كريستيان ديور، حيث ظهرت في الكثير من تصاميمه في حياتها الخاصة وفي أفلامها، مثل "النافذة الخلفية" و"كيف تلقي القبض على لص؟" و"هاي سوسايتي" وغيرها من الأفلام الكلاسيكية.
 
كان كل ما فيها يضج بأناقة راقية تتميز دائما بتنورة مستديرة وخصر مشدود يبرز نحوله، وكنزة بسيطة بياقة مستديرة تظهر جزءا من صدرها، كان أسلوبها مختلفا عن ذلك الذي تبنته أودري هيبورن في هذه الفترة. 
 
فهذه الأخيرة تبنت بنطلونات "كابري" التي تجلس فوق الكاحل وتظهر جزءا مهما منه، أو تنورات مستديرة لكنها أقصر بعض الشيء، مع كنزات ضيقة وأحذية باليرينا، وهو ما يراه البعض أسلوبا آخرا يميز الخمسينات، ويمهد نوعا ما لموضة الستينات، كما فرضتها التغيرات الاجتماعية؛ فهذه الفترة شهدت تحرر المرأة وبوادر خروجها للعمل بشكل رسمي، وهو ما تطلب أسلوبا أقل درامية وأكثر عملية مع لمسة تحرر تمثلت في الطول القصير جدا بالنسبة للفتيات خصوصا.
 
كأي شيء يبدأ في باريس، سرعان ما انتشر "ذي نيو لوك" في باقي العواصم العالمية، في إيطاليا التي كانت تعيش نهضتها السينمائية في روما، أخذت هذه الموضة بعدا أوروبيا راق الأميركيات، خصوصا أن من روجن له هن صوفيا لورين، جينا لولو بريجيدا وكلوديا كاردينالي، فضلا عن نجمات هوليوود، مثل أودري هيبورن، إيفا غاردنر، إليزابيث تايلور وغيرهن. 
 
كان هؤلاء يحضرن إلى روما لتصوير أفلام مثل "كليوباترا" و"رومان هوليداي"، (إجازة رومانية) يستغللن الفرصة لخياطة أزيائهن في معاملها، فبينما كانت باريس توفر لهن فساتين سهرة فخمة، كانت روما توفر لهن أزياء للنهار بلمسة إيطالية تستحضر شمس كابري وأجواء بورتوفينو. ورغم المنافسة والصراع بين باريس وروما، كان هناك دائما خيط يجمعهما هو فخامة الخمسينات.
 
هذا الخيط ميز الكثير من العروض التي شهدتها العواصم العالمية سواء لصيف 2014 أو خريفه وشتائه المقبلين، تامارا رالفن المصممة الفنية في دار "رالف آند روسو" تقول بأن هذه الفترة " هي المفضلة لدي، لأنها تخاطب امرأة تتمتع بإحساس قوي بالأناقة والأنوثة، وتقدر أزياء راقية وفخمة في الوقت ذاته، هذا الأسلوب الذي يتباين بين المسرحي الدرامي والرومانسي الذي يستحضر قصص الأساطير والأميرات، كان دائما مصدر إلهام بالنسبة لي. 
 
كل شيء فيه، من الخطوط إلى التطريزات الدقيقة والغنية، لكن دائما بأسلوب عصري يناسب إيقاع الحياة التي نعيشها الآن، ويبدو أن تامارا ليست وحدها في هذا الرأي بالنظر إلى ما طرحه كل من جيامباتيستا فالي، وإيلي صعب، وطبعا ديور، لكن بأسلوب مصممها الفني الحالي، راف سيمونز، البعيد عن الدرامية.
 
همسات:
- في الوقت الذي تناسب فيه التنورة المستقيمة أغلب النساء، فإن التنورة المستديرة تتطلب تعاملا خاصا حتى يأتي المظهر موفقا، السبب أنها رغم سخاء الأقمشة تخاطب الرشيقات أكثر، لهذا ينصح الخبراء دائما باختيارها بلون كلاسيكي يميل إلى الداكن، وبقماش ناعم حتى تنسدل على الجسم بسهولة عوض أن تزيد من عرضه. وإذا كان جسمك ممتلئا، فتجنبيها إذا كانت مبطنة.
 
- يفضل أيضا تنسيقها مع قميص مفصل أو مع كنزة ضيقة، علما بأن الخمسينات لا تعني فقط تنورة مستديرة وطويلة، بل تعني أيضا تنورة مستقيمة تصل إلى الركبة، لهذا اختاريها بدرجات طبيعية ولا بأس أن تزينها فتحة من الجانب أو بثنيات «بليسيه» حتى يسهل عليك المشي فيها.
 
- تعرفين جيدا أن تصميم الحذاء يلعب دورا مهما في إضفاء الحداثة على هذا المظهر أو الكلاسيكية. عندما يكون بكعب عال ورفيع، فإن المظهر يستحضر غرايس كيلي وتلك الأناقة الكلاسيكية التي تخاطب امرأة ناضجة أو جريئة، بينما عندما يكون من دون كعب، أو بتصميم رياضي أو رجالي، فإنه يقول بأنك ابنة عصرك.
 
- معرض«الخمسينات من 1947 إلى 1957» سيمتد إلى شهر نوفمبر المقبل في
Palais Galliera
10 avenue Pierre 1er de Serbie، 
Paris 16e، 75116 Paris