أسبوع لندن .. لقاء السياسة بالأناقة

العاصمة البريطانية تزهو بنفسها بالريش والألوان
العاصمة البريطانية تزهو بنفسها بالريش والألوان

لن نستغرب إن رأينا فيكتوريا بيكام، أو النجمة سلمى حايك وزوجها الملياردير فرنسوا هنري بينو، أو دوناتيلا فيرساتشي أو العارضة المخضرمة هيلينا كريستنسون، أو حتى عرابة الموضة ورئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، آنا وينتور، متربعات على مقاعد الصفوف الأمامية إلى جانب رئيسة غرفة الموضة النيويوركية المصممة دايان فون فورتنسبورغ في أي من عروض لندن لموسمي الخريف والشتاء المقبلين .. فهذه الباقة كانت من بين ضيوف سامنثا كاميرون في 10 دوانينغ ستريت مساء يوم الجمعة، يوم انطلاقة الأسبوع، مما يعني أنهم لا بد أن يسجلوا حضورهم في واحد أو اثنين من هذه العروض على الأقل. 
 
إن لم يكن في عرض كريستوفر كاين، ففي عرض «مالبوري» أو «بيربيري». وفي الحقيقة بعد تولي نتالي ماسيني منصب رئيسة منظمة الموضة اللندنية، وبالنظر إلى تاريخها وخبرتها وعلاقاتها، فإن لندن ستعرف توجها جديدا وزخات من البريق تصب عليه من كل جهة.. فالعاصمة، كما أكدت ماسيني، لا ينقصها الابتكار والقدرة على الإبداع، وكل ما تحتاجه هو قليل من التلميع وبريق النجمات في الصفوف الأمامية أو وهن يتبخترن في أزياء موقعة بأسماء مصمميها الشباب.
 
أما استقبال سامنثا كاميرون لهذه الباقة فمرده ليس فقط لأنها زوجة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بل لأنها سفيرة الموضة البريطانية أيضا، وواحدة من أهم مسؤولياتها أن تعطي الأسبوع بعدا لا تعرفه أي عاصمة أخرى. فكما قالت ماسيني «لا نرى هذا الحشد من الضيوف وهذا الاهتمام بالموضة في البيت الأبيض مثلا».
 
وربما هذا البعد الذي تلتقي فيه السياسة مع الأناقة، هو الذي جعل العديد من وسائل الإعلام والمشترين يغادرون نيويورك بسرعة لحضور حفل استقبال السيدة كاميرون، بالرغم من أنهم فوتوا على أنفسهم حضور عرض مارك جايكوبس، أحد أهم المصممين الأميركيين مساء يوم الخميس. 
 
أمر لم يكن يخطر على البال منذ سنوات ماضية، حين كانت لندن مجرد محطة يمكن لأي أحد أن يتجاوزها متجها من نيويورك إلى ميلانو مباشرة، ومارك جايكوبس، مدلل نيويورك، يمكنه أن يختار أي تاريخ من الأسبوع وضمان أن الكل سيحرص على حضوره.
 
الإضافة الجديدة التي تحسب لماسيني، أشارت إليها سامنثا كاميرون بقولها إن «أسبوع لندن لم يعرف هذا التنظيم من قبل.. فعندما أتحدث مع المشترين من بلدان أخرى، يقولون لي إن لندن هي العاصمة الأهم في مجال الموضة حاليا وأنظار الكل مصوبة نحوها».
 
كما أثنت على رؤية رئيسة منظمة الموضة البريطانية الجديدة، ماسيني، الواضحة وحيويتها، قائلة: «ما إن تمضي مع ماسيني خمس دقائق، حتى تشعر بأنه بإمكانك تحقيق المستحيل».
 
ولا شك أن حجم التوقعات كبير، كذلك الآمال المعقودة على المرأة التي أسست «نيت أبو رتيه دوت كوم» وأدخلتنا عالم المنتجات الفاخرة من باب الإنترنت، إلى حد أن البعض يتوقع أن تحقق المعجزات، وهو الأمر الذي يجيب عنه الوقت فقط.
 
وفي الوقت الذي كانت فيه نخبة من وسائل الإعلام والشخصيات يتبادلون أطراف الحديث في 10 دوانينغ ستريت ويربطون علاقات أو يتبادلون الآراء، لم تتوقف عروض الأزياء. ففي أماكن متفرقة، شهدت العاصمة البريطانية، عروضا مثل «بي بي كيو» في سومرست هاوس على الساعة الخامسة.
 
كان العرض منعشا بكل المقاييس. فالقصات طبعتها الأنوثة والشقاوة، بينما تراقصت الأقمشة العصرية على ألوان بدرجات النيون إلى حد أننا احتجنا إلى نظارات لتفادي توهجها، وهو ما كان منعشا بعد أسبوع نيويورك الطويل، الذي غلبت عليه ألوان قاتمة يمكن أن تصيب بالكآبة لولا تصاميمها الأنيقة واحتمالية مزجها بألوان أخرى بعد أن تطرح في الأسواق.
 
في المقابل، كانت التشكيلة التي قدمها الثنائي، أيمي مولينو وبيرسي باركر، مصمما «بي بي كيو»، تحتاج إلى تخفيفها بمزجها بألوان حياذية، لا سيما بالنسبة للمرأة الكلاسيكية التي لم تتعود على درجات النيون.
 
لكن المثير في التشكيلة أيضا أنها في الوقت الذي كانت تخاطب فيه فتاة صغيرة وشابة عصرية من حيث ألوانها، فإن القصات كانت تخاطب امرأة قوية بأكتافها المحددة وتفصيلها الذي يعانق منطقة الخصر. ولعل أكثر ما يعبر عن هذه الكلاسيكية العصرية كان معطفا بأسلوب عسكري بالأزرق تم تنسيقه مع جوارب سوداء سميكة وقبعة «فيدورا» سوداء بدا أنيقا رغم توهجه. 
 
وكلما كانت الألوان تخف، تبدأ في التسلل مرة أخرى لتذكرنا بأن النيون هو القوة المحركة للتشكيلة. فهو يظهر مرة في فساتين مستوحاة من الستينات ومرة في فساتين ضيقة تستحضر حقبة الثمانينات، بينما لم ينس الثنائي أن يعرجا على السبعينات ليأخذا منها بعض النقوشات التي تلونت بالبرتقالي أو الوردي أو الأصفر المتوهج.
 
أما عرض «داكس» البريطانية، فقد عوض عما افتقده من شقاوة بنات أو أي لمسات من الجنون بالتفصيل الإنجليزي الذي لا يعلى عليه. فقد فضلت المصممة الفنية للدار، شيلا ماكاين وأيد، أن تأخذ طريقا مضمونا من خلال قصات تستحضر التفصيل الرجالي، وأقمشة التويد والتارتان في تحية لجذور الدار البريطانية. وهو أسلوب اتبعته في الموسم الماضي، ويبدو أنه جاء بنتائج إيجابية من حيث التسويق مما جعلها تعود إليه في هذا الموسم أيضا.
 
تجدر الإشارة إلى أن المصممة شيلا، ولدت في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها عانقت الأسلوب الإنجليزي وتاريخ الدار العريق بشدة، من خلال الأقمشة على الأقل. ولا شك أن كونها مزيجا بين ثقافتين مختلفتين كان له الفضل في إخراج «داكس» من ماضيها وفتح المجال أمامها لدخول فضاءات جديدة من حيث التصاميم.
 
فالجاكيتات والتنورات التي اقترحتها المصممة في آخر العرض، طبعتها لمسات أنثوية لا يمكن أن تخطئها العين، كذلك الورود التي طبعت بعض الفساتين المنسدلة إلى الركبة. الجديد في هذه التشكيلة أنها ابتعدت إلى حد ما عن الألوان الداكنة، حيث كانت هناك ألوان البرتقالي المحروق، والأحمر القاني إلى جانب ألوان معدنية غلبت على الأحذية خصوصا.
 
المخضرم جاسبر كونران، أخذنا في رحلة إلى الستينات استحضرت لنا نحافة العارضة تويغي والممثلة ميا فارو في تلك الحقبة. وربما كانت الصورة ستكون نسخة منهما لو اعتمد الشعر القصير جدا، عوضا عن القبعات العالية والمقببة من أعلى وكأنها قبعات الدراويش العثمانيين، التي أبدعها له ستيفن جونز.
 
التصاميم أيضا لم تكن نسخة مطابقة لما ورثته لنا الستينات، فبينما استوحى خطوطها المنسدلة من خلال أقمشة سميكة نوعا ما لكي تبتعد عن الجسم وتمنحه شكلا هندسيا مدروسا، أضاف إليها تفاصيل عصرية من تحت أو من الأكتاف، بألوان الطبيعة الشهية، مثل الوردي الصارخ أو الأخضر الفستقي أو الأصفر أو البرتقالي.
 
بعد مجموعة أنيقة يمكن لأي امرأة أن ترى نفسها فيها، أرسل مجموعة من فساتين السهرة والمساء تلمع بالتطريزات والخرز. صحيح أنها لم تحمل جديدا، إلا أنها نجحت في أخذنا لرحلة إلى الماضي الجميل بالكثير من الحنين والشوق.
 
مخضرم آخر نجح في أن يحلق بنا، لكن هذه المرة بأخذنا إلى عالمه الخاص. المصمم هو جون روشا، لم يغير جلده أو أسلوبه وإن طوره وحقنه بجرعة قوية من العصرية والأحجام الضخمة. في الموسم الماضي، قام بما يشبه الثورة حين أدخل الألوان إلى تشكيلته، هو الذي يعشق الأسود، ويبدو أن رحلته إلى عالم الألوان فتحت شهيته للغوص فيها أكثر هذا الموسم مع مراعاة أنها تتوجه إلى الخريف والشتاء. قال إنه استقى درجاته من طبيعة «ويكلو» الآيرلندية، المعروفة بالزمردة الخضراء، وأعمال الفنان غاري هيوم. بيد أنه لم ينس اللعب على الازدواجية بين الناعم والقوي، وبين الشفاف والسميك.
 
«كمصمم، أقدم ما أقدمه لكني أحاول دائما أن أجعله أفضل من الموسم الذي سبقه.. من المهم أن يتقدم الإنسان، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحقق بها ذلك أن تتبع قلبك» .. هذا ما قاله بعد عرضه، وهذا ما يفسر لماذا اختار طبيعة ويكلو تحديدا.
 
فهو يعيش في آيرلندا ويعشقها، كما أنها متعة للعين بخضارها وورودها، مما يجعلها موضوعا رائعا لأي فنان، رساما كان أو مصمما. فلون المرجان ظهر في معطف واسع وحقيبة يد، والأخضر النباتي ظهر أيضا في معطف محدد إلى الخصر ليتسع ويستدير بشكل ضخم بعد ذلك. 
 
كانت هناك أيضا رشات من الأحمر لكن مع ذلك بقي حبه الأول قويا. فهو قد يعطي لنفسه فسحة للتغيير لكنه دائما يعود إلى الأسود الذي كان طاغيا، وزادت من دراميته طرحات التول التي زينت رؤوس العارضات.
 
وإذا كان هناك شيء خرج به الحضور، فهو إحساس بالسعادة لأن ما قدمه في الموسم الماضي، ولمس وترا حساسا بداخل كل امرأة أنيقة، ظهر أيضا في موسمي الخريف والشتاء المقبلين، وكأن المصمم بدوره عرف أنه توصل إلى الوصفة الناجحة ولم ير داعيا لتغييرها.
 
على الساعة السادسة مساء كان الموعد مع المصممة المثيرة للجدل دانييلا إيسا هيلايل، مؤسسة دار «إيسا». فمنذ أن اختارت دوقة كامبريدج، كيت ميدلتون، فستانا بتوقيعها في يوم خطبتها للأمير ويليام، ونجمها يزداد لمعانا في كل موسم بفضل الثقة التي اكتسبتها ورسخت أسلوبها المخملي.
 
وبالنظر إلى الصفوف الأمامية، فإن معظم زبوناتها، هن من فتيات المجتمع الراقي، مثل مصممة المجوهرات اللبنانية نور فارس، وفتاة المجتمع البريطانية تامارا بيكويث، التي اصطحبت معها طفلتها الصغيرة إلى العرض، كما لو كانت تريد أن تقدمها لعالم الموضة، أو بالأحرى إلى عالم «إيسا» البوهيمي. خلف الكواليس، اعترفت المصممة البرازيلية أن لها جذورا لبنانية بعيدة الأمر الذي يفسر حبها لمعانقة كل الثقافات. 
 
وهذا الانفتاح على ثقافات الغير هو ما ترجمته برحلة إلى أميركا، وتحديدا إلى قبائل «النافاجو» الذين استقت من طبيعتهم وثقافتهم ألوانها وبعض التفاصيل. فالألوان مثلا جاءت هذه المرة خفيفة وحياذية إلى حد كبير، مثل البني والمستردي وغيرهما من الدرجات المماثلة.
 
وقد اعترفت دانييلا خلف الكواليس بأن عرضها لخريف وشتاء 2013، كان مختلفا، استلهمته من الهنود الحمر، بما في ذلك حبهم للريش. لكن المرأة التي تخاطبها هذه التشكيلة أيضا تحب الترحال، ولا تريد أن تكون منمقة من الرأس إلى أخمص القدمين. فهي مرة في المغرب ومنه تتوجه إلى جبال أميركا وهكذا .. المهم أن أناقتها زادت عن ذي قبل بكثير، حسب قول المصممة. 
 
وبالفعل فإن القصات رغم انسيابيتها الظاهرة تتضمن تفاصيل درامية والكثير من الصوف وجلد الشامواه وكأنها تخاف عليها من البرد. افتتحت العرض العارضة كارا ديليفين بقبعة فيدورا تزينها ريشتان طويلتان وفستان طويل بنقوشات مستوحاة من حضارة الأزتيك، لتتوالى الفساتين التي نسقتها مع كنزات صوفية بياقات عالية وأكمام طويلة ومعاطف إلى الركبة جاء أجملها مطرزا بالكامل بأحجار متنوعة شكلت مربعات صغيرة بالأسود والبرتقالي والأبيض. 
 
لكن قوة التشكيلة تكمن في تلك الرحلة التي استكشفت فيها المصممة خامات جديدة مثل الصوف والجاكارد والألوان الحياذية والمطفية إلى جانب النقوشات الهندسية، من دون أن تنسى دانييلا أن زبوناتها يحتجن إلى بعض البريق، أينما كانت وجهتهن، وهذا ما قدمته لهن من خلال فساتين سهرة وكوكتيل من الكريب المطرز بأحجار الكريستال وقطع زجاج صغيرة.