الصداقة .. ما تأثيرها على البدانة؟

العلماء يدرسون الآثار الاجتماعية المؤدية إلى انتشار «عدوى» السمنة
لا شك أن حاجة الإنسان إلى أصدقاء حاجة فطرية يتشارك فيها الجميع، على الرغم من اختلاف الثقافات والأعراق والأماكن الجغرافية، ومن البديهي أن علاقة الإنسان بأصدقائه تؤثر، سواء بالسلب أو بالإيجاب، عليه في حياته الاجتماعية بالأساس واتزانه النفسي والعاطفي.
ويمتد أثر الصداقة ليؤثر حتى على السلوك والعادات الصحية، خاصة الغذائية، التي يمكن أن تكون حلا لمشكلة البدانة التي يعانى منها الأطفال، وهى المشكلة التي تفاقمت وأصبحت تهدد المستقبل الصحي للشباب، ويكفى أن نعرف أنه حسب تقارير الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، فإن عدد الأطفال الذين يعانون من البدانة قد تضاعف خلال العقدين الأخيرين، وبالنسبة للمراهقين اقتربت النسبة من 3 أضعاف.
«عدوى» البدانة
في دراسة مثيرة قام بها فريق طبي من جامعة «لويولا» بشيكاغوLoyola University Chicago Stritch School of Medicine في الولايات المتحدة على طلبة التعليم الثانوي، ونشرت نتائج هذه الدراسة حديثا في دورية «بلاس وان» journal PLoS ONE المعنية بالأبحاث العلمية، ظهر أن الطلاب يكونون عرضة أكثر من غيرهم لزيادة الوزن، إذا كان أصدقاؤهم أو الطلبة المحيطون بهم قد اكتسبوا وزنا زائدا، وفى المقابل تكون قابليتهم لاكتساب زيادة الوزن بوتيرة أبطأ إذا كان أصدقاؤهم قد فقدوا بعضا من وزنهم الزائد.
ليس هذا فقط، بل أشارت الدراسة إلى أن المحيط الاجتماعي للطالب يؤثر على نشاطه الرياضي سواء سلبا أو إيجابا. وكانت الدراسة معنية فقط بمحيط الأصدقاء الفعليين في المدرسة أو النادي، وليس الأصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعي، أو أصدقاء المراسلات على شبكة الإنترنت.
واعتبر الفريق الطبي نتيجة هذه الدراسة بمثابة ضوء يتم تسليطه على وضع اعتبارات جديدة في علاج السمنة عند الأطفال والمراهقين وهى؛ ألا يتم علاج المراهق بمفرده، ولكن لا بد من معرفه الأصدقاء المحيطين به ومحاولة علاجهم بشكل جماعي.
ونتيجة لتزايد الاهتمام بالبدانة، أشارت عدة دراسات إلى أن السمنة تنتقل بين الأفراد بمثابة «عدوى» مثل، انتقال الفيروس أو الميكروب، حيث ثبت أن السمنة تنتشر في مجتمعات بعينها سواء نتيجة لانتشار ثقافة غذائية خاطئة أو لأسباب مختلفة.
أسباب انتشار السمنة 
كان الغرض من هذه الدراسة معرفة انتشار السمنة بشكل جماعي في المراهقين، ومعرفة إذا كان السبب وراء ظاهرة السمنة هو:
- أن الأطفال أو المراهقين يؤثرون على سلوك أقرانهم بما يسمى بـ«التأثير الاجتماعي» social influence بمعنى أن الطفل أو المراهق تتأثر عاداته الغذائية بسلوك أقرانه، إذا كانوا يتناولون الوجبات السريعة باستمرار أو المشروبات الغازية بكثرة، مما ينتج عنه زيادة وزنهم جميعا.
- السبب الثاني هو ببساطة أن الأطفال الذين يعانون من السمنة لا يصادقون إلا أطفالا مثلهم من أصحاب الوزن الزائد بما يسمى «التماثل homophily»، بمعنى أن يبحث كل مراهق أو طفل على من يماثلونه في الشكل والقوام مصداقا للمثل الشهير: «الطيور على أشكالها تقع».
وقد قام الباحثون بتجميع بيانات من مدرستين من المدارس الكبيرة الثانوية الأميركية في العام الدراسي 1994/1995 وفى العام الدراسي التالي له شارك التلاميذ في دراسة طويلة تستهدف صحة المراهقين National Longitudinal Study of Adolescent Health.
وكانت إحدى هذه المدارس من المناطق الريفية ومعظم طلابها من البيض، والمدرسة الأخرى من إحدى المناطق الحضرية وطلابها ينتمون إلى أعراق وأصول مختلفة.
وقام الباحثون بتجميع بيانات من 624 طالبا من المدرسة الريفية، وكذلك 1151 طالبا من المدرسة الحضرية، وتم أخذ أوزانهم وسؤالهم عن أصدقائهم، ونشاطهم الرياضي، وأوقات فراغهم، وكيفية قضائهم لها، واستخدمت الدراسة مؤشر «كتلة الجسم» body mass index أو اختصارا «BMI» وحدة قياس للوزن.
المعروف أن مؤشر «كتلة الجسم» يتم حسابه بحساب الوزن بالكيلوغرامات مقسوما على مربع الطول (أي بالمتر المربع)، واعتبروا أن المراهق الذي تكون قيمة المؤشر له نحو 25 يعتبر من الذين يعانون من زيادة في الوزن، والطالب الذي تكون له قيمة نحو 30 يعتبر من الذين يعانون من السمنة.
وقد وجد الباحثون علاقة قوية بين النزوع إلى السمنة ومحيط الأصدقاء، وعلى سبيل المثال إذا كان أحد الطلاب في المدرسة الريفية لديه ميل نحو النزوع إلى السمنة، ويصادق طالبا نحيفا، يدور مؤشر «كتلة الجسم» له حول 20، كانت فرص هذا الطالب لزيادة الوزن في المستقبل لا تتعدى 27 في المائة، بينما فرص أن يقل وزنه كانت تصل إلى 40 في المائة، بينما إذا كان نفس الطالب يصادق طالبا يعانى من السمنة، ومؤشر «كتلة الجسم» لديه 30، كانت فرص زيادة وزنه تصل إلى 56 في المائة، بينما فرص نقص وزنه تصل إلى 15 في المائة فقط، وهو ما يشير إلى ارتباط السمنة بمحيط الأصدقاء.
تأثير اجتماعي 
وخلص الباحثون إلى أن التأثير الاجتماعي للسمنة في الأغلب يكون بالسلب وليس بالإيجاب، خاصة إذا كان الطالب قد عانى بالفعل من زيادة الوزن، ومن الأفضل أن يتم منع السمنة من الأساس بدلا من محاولات إنقاص الوزن، وعلى ذلك يجب الوضع في الاعتبار، التوعية بمخاطر السمنة وعلاجها بشكل جماعي بدلا من تجاهل دور الأصدقاء في العلاج.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة الممتدة التي تم تجميع البيانات الخاصة بها منذ أكثر من عقد من الزمان وقبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية عبر الإنترنت مثل «فيس بوك» وغيرها؛ فإنها تعطى مؤشرا قد يكون مهما في طرق العلاج، ومراعاة الجانب الاجتماعي في حياة المراهق وتأثير الأقران المتماثلين في الحجم، خاصة بعد أن تفاقمت مشكلة البدانة لدى المراهقين بالشكل الذي بات يمثل خطورة صحية على مستقبلهم، وبطبيعة الحال يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات لتحديد دور الأصدقاء في الوقاية من البدانة.
وفى نفس السياق، خلصت دراسة ممتدة سابقة نشرت في عام 2007 في دورية «نيو انغلاد الطبية» New England Journal of Medicine إلى نفس النتيجة، حيث تتبعت 12067 شخصا منذ عام 1971 وحتى عام 2003، وتمت ملاحظة أوزانهم عبر الـ3 عقود، وكذلك ملاحظة أوزان المحيطين بهم من الأصدقاء أو الأزواج وأعضاء العائلة الواحدة أو الجيران، وتبين أن فرصة الشخص لاكتساب الوزن الزائد تصل إلى 57 في المائة إذا كان محاطا بأشخاص يعانون من البدانة.
وقد وجدت الدراسة أنه لا يوجد تأثير للجيران على زيادة الوزن، وكان الأثر الأكبر من أفراد العائلة، وتبين أن أكبر تأثير لزيادة الوزن على الإطلاق من الأصدقاء المقربين حتى لو لم يكن الصديقان في نفس المكان، وكانت فرصة زيادة الوزن إذا كان الصديق المقرب يعاني من البدانة تصل إلى 171 في المائة.
وأشارت الدراسة أيضا إلى أن نفس التأثير يكون للنقص في الوزن؛ ولكن مع الأسف خلال الـ3 عقود (مدة الدراسة) تبين أن معظم الأشخاص ينزعون إلى البدانة، وليس إلى النقص في الوزن. ويمكن الاستفادة من نتائج هذه الدراسات في علاج البدانة على أنها مرض عضوي واجتماعي في الوقت نفسه.